الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

إنزالات ديمقراطية

الكاتب : سيومي خليل
إنزالات ديمقراطية 
----------------------------------------------------
ستقرر الديمقراطية ، بعد المنع الطويل عن ولوجها المؤسسات ، والكره الشديد لتواجدها في الشارع ،وفي حوارات المقاهي ،وتقزيمها حد إهمالها بين المناضلين، وأشباه المناضلين ... ستقرر الديمقراطية أن تقوم بعمليات إنزال مباشرة .

من كثرة الإنزالات، التي أصبحت هواية غير احترافية ، وليست بها شروط موضوعية ، أصبحت من غير مفعول ، وباتت نزهة بين الحدائق الإسمنتية ، وجنب ساحات التحرير والتقييد معا ، إنزالانت بألوان ثوب المهرج كما تم تصويره لنا في كتيبات* البوند ديسيني* ؛ الحزب الفلاني يستعد لمؤتمره العام ،فيختلط عليك الأمر جين ترى عدد حراسه، وحاميه ، الذين يفوقون الأعضاء ، فتقول : إنه ‘نزال أمني حزبي ، ولكم في أرشيفات الأحزاب عبرة يا أولي الألباب ... إنزال أمني بلعبه الحارقة ، والمائية ، والمسيلة للدموع ، وبحقد رجاله على بعض المحتجين الأوفياء للغائبة دائما الديمقراطية ... المهرجانات تصيرا إنزالا هي الآخرى ، وتختفي الموسيقى وراء غلظة بعض الساهرين على تربية الغنم المتفرج ...

لهذه الأسباب ،وللاحساس الشديد بالضيم، وللحكرة الحداثية جدا ، ستقرر الديمقراطية أن تقوم بإنزالات دون تصريح، رغم علمها أن الكثير من أعدائها سيتربصون بها ، ورغم علما علمها بأن الكثير من مناصريها سيتوارون خلفا ، إلى أن أن تسقط مضرجة في دمها على إسمنت بارد ، كي يبدأوا هواية الندب ، وإقامة سرادقات العزاء والعيادة ؛ ألا يجبرونها دائما على الحياة والموت ، ويبلونها في كل حين ؟؟؟.

إنزال أول *
ساحة الإنزال هي الحوار :

بثقلها، وغنجها المعهود، ستنزل الديمقراطية في قلب الحوار، كي تتبث رأيها فيه ،والتي تراه أفضل ما يضمن إستمرار لغة الحوار، إنه رأي يضم كلمة واحدة ، وهي الإختلاف ، فالحوار طبيعته الإختلاف ، والناس تتحاور لأنها مختلفة ، وتتحاور على أشياء إختلفت عليها ...

ستقول الديمقراطية بإيجاز : لا يمكن أن ترغم أحدا على تبني أفكارك ...

سيقر الجميع ببداهة هذه الفكرة ، لكنهم سيحملون العصي كي يثبتوا صحة أفكارهم، وسيصرخون بأغلى صوت كي يوصلوا معلومة ما ..

ألام أقل لك أيتها الديمقراطية أنك مكروهة جدا .

إنزال ثان*
ساحة الإنزال هي المؤسسات العامة :

الصدمة الشديدة التي سببتها هشاشة مؤسسات التسيير والتدبير ، وفلسفة الإقطاعيات التي يتبناها القائمون على هذه المؤسسات ،والإهمال الشديد لمفهوم المواطنة في مكاتبها وأقسامها ، والتعامل وفق فكرة المعادن الأفلاطونية مع الملتجئين لمصالحها ...كانت سببا مباشرا لنزول الديمقراطية لهذه الأماكن التي تكره الضوء، والتي يعيش أغلب ،وليس كل ، القائمين بها ، والقائمين فيها ،كالخفافيش على مص دماء سيئي الحظ .

ستنزل الديمقراطية ، رغم تمنع هذه الأماكن لأزمنة طويلة عن قبول هذه الضيفة المكروهة والمحبوبة جدا ، ستنزل كي تقول : إن فكرة المؤسسات فكرة أنوارية ، جعلتنا نعرف ، ونؤمن بفكرة المساواة بين أبناء الوطن الواحد ...

سنرفع رؤوسنا مؤكدين على قولها ،لكن سنطرد صاحبة القولة شر طردة ، هذا إن لم نختطفها رهينة في أحاديثنا الفارغة ، وسنعود إلى إشاعة الظلام في المؤسسات ، وسنقيم الوالجين إليها حسب هوياتهم الشكلية والسياراتية والمهنية، لأنها هويات تضمن أن يكون هناك مصروف إضافي في الجيب ،أو تضمن رقم هاتف *سكور* تقتضيه حتما حاجة ستأتي في المستقبل، أو على الأقل للتباهي بأننا نحمل رقم هاتف فلان الغني والمسؤول والكبير جدا وال ...وال ... وال ...أتعرفون ذلك الرجل إنه أعطاني رقم هاتفه الهام والمهم .

إنزال ثالث*
ساحة الإنزال هي السياسة التي تضم إحتجاجات مليونية -رغم أن الميادين في عالمنا العربي بالكاد ضم هذا العدد ؛ هل حقا فكر مهندسونا في تشيد ساحات تضم هذا العدد ؟؟؟ لا أعرف -:

أهم إنزال هو الذي خاضته ، وتخوضه، وستخوضه دائما الديمقراطية، يقع في ساحة السياسة ، فالديمقراطية تؤمن أن الإصلاح يأتي بدرجة أولى من هذه الساحة ، وتعرف أن هذه الساحة جد واسعة ، ومليئة بمتاهات لا يعرفها إلا رجالها ،ولا يجيد الخوض فيها إلا من طبق تعاليم كتاب الأمير ،حتى وإن لم يقرأه ،..

ساحة السياسة هي ساحة للتوريط في ضوئها وضلامها ، ويجب على الديمقراطية أن تضع علامات تشوير في طرقها الكثيرة ، وعليها أن تعلم السائقين ،والراجلين في طرقها ، أن السياسة مهمتها هي التدبير المعقلن للإختلاف كي لا يصل طرف إلي تكفير طرف آخر ، أو يجهل طرف الأطراف الآخرى ...

فتنة

الكاتب : سيومي خليل 
فتنة 
*كتبت يوم 17/08/2013في مقهى الشراع / آسفي *

-1-
تلاحق الفتنة الكبرى ، والمعارك الدامية الملحقة بهان والمتعلقة بحاواشيها ، بحفدة بني هاشم ، وبني أمية ، وبقبائل عرب العاربة ...كما يلاحق ، في عصر أخذ السيف فيه مكانا في المتحف ،واصبح الخيل الرهوان مجرد رقم للقمار ، صاروخ صغير شخصا بعينه ، كي يستقر في مكان القلب مباشرة ، وكأنه يحاكي رمحا مسموما ، لكن المسافة هذه المرة تقاس بالكيلومترات .

-2-

كما تم تصنيف الخارجين عن عثمان ، ثالث أقطاب عصر الشورى والديمقراطية ،من طرف مؤيديه بناشري الفتنة ... يصنف الهؤلاء ، الآن ، بمواصفات عدة ؛ مخربون ، عملاء ، هفت أنفسهم إلى الخلافة ، اذناب غرب كاسر ...

هي مجرد مصطلحات أولا وأخيرا ، لذا لنبحث في الأهم ، لنبحث في عمق الغايات ؛ نحن لم نعرف مخربا له غاية وطنية ، إذن فمن لم تكن له غاية وطنية ، سواء كان من أهل اليمين أو من أهل اليسار ، فهو المخرب بامتياز .

-3-
الفتنة أشد من القتل ...

لكن الفتنة كانت تقع دائما ، لأنها لم تحارب يوما عندنا بالديمقراطية .

تنمو هذه الشمطاء ،الفَتنة ،الماكرة ، في بلد فاسد ، الرأي فيه واحد ، والأمر به إلاه، والإستئصال سياسة ، والإمتناع عن التدبير المشترك نزعة ، وشخصنة الإصلاح هواية ... والأهم أن الفتنة أخت الطمع من الرضاعة ، لذا من يطمع أكثر في كراسي عدة لا يهمه خراب مالطة ، ويواعد الفتنة من أجل غمزة .

-4-

أتساءل ؛ لما لا بد أن يموت بالرصاص من عُلم أن من حقه إبداء حقه في الرأي ؟؟؟؟ .

لما تحدث الفتنة عندنا بشكلها الأسوأ المريع ؟؟؟

قيل لي جوابا عت تساؤلي ؛ إنها مؤامرة ... أمريكا وإسرائيل ، والشيطان الاسود ، والنمل الزاحف ،و ........

وابتسمت ملء شدقي ،ورقصت بسبب وخز شديد في القلب ،وقلت :

عن إي مؤامرة تتحدثون ، والعالم بأسره يُسير نفسه بالروية ، إلا نحن نسير أمورنا بمنطق العصبية . ماذا سيفعل المتآمرون ضدنا ، إن نحن قررنا أن نصبح أفضل ؟؟؟ يا سادة ،نحن المتآمرون علينا ، وهناك فئة منا ، لا سامحها الله ، إن أنت قدمت لها فكر النور عبر الأثير ، لمنعت الهواء عن الخلق والخلائق ، ومنحتهم أجهزة تنفس مملوؤة بغاز الجهل والتجهيل .

بوزن الفراشة وأقل

بوزن الفراشة وأقل 
الكاتب : سيومي خليل
--------------------------------------------------------

-1-
الحب كائن آخر يكتري الجسد دون سومة كراء ،يؤثث المكان ،ويتجول فيه ، رغم قرار الإفراغ القائم دائما .

-2-
حينَ أَحبتْ
عرفتْ من تُكون
عرفت ما يَعنيه حلمٌ فوضوي
غير مُتناسق الأحداث
يُغافلها كلَما سَهت
وأغمضَت العين ...
حينَ أحَبت ْ
كتبت تَاريخَ ميلاَدها
بأرقامٍ مخالفة
بها رائحة العشقْ .

-3-
هذا الكائن المفرط الشعور ، القابع بين شراشف اللذة ،كائن جد متسامي ، فهو من بلورات شفافة ، من جينات من حرفين ؛ الحاء والباء ... لذا يصعب تهجينه ، ويصعب ،أكثر ،القضاء عليه .

-4-
الحب لُغة كيميائيةٌ
مزيج ٌبين مَا نَرغَب فيه ومَا يرغبُ فِينا
بوتقة إلتصَق بِها السامي بالمُنحَط
لا عَلامات عليه إلا هُو
فكل مَا يَظهر منْه مُجرد فُروعه
أما الحب نفسه فَهو ؛
أن تشعر
أنك عاجزٌ عَن وصف الشعور .

-5-
الأغبياء فقط من يفكرون في الحب عبر قنطرة الجسد ، فالحب لا قناطر تؤدي إليه ،ليست هناك مسالك واضحة نمرها كي نحب ، لأننا مجبرون على التحليق ، فالحب أن تحس بالخفة ،أن تكون بوزن الفراشة وأقل ، لذا دائما ما يرتبط بوجيب القلوب ، فكأننا نتصعد في السماء حين نحب .

-6-
حدثني هذه العجوز العابرة ،التي لا أعرفها، عن معنى الخصب . قالت بصوت أجش :
الخصب هو أن تعرف كي تعطي دائما .
فكرت أنها نفس فكرة الحب ، إلا أن الحب هو عطاء لمرة واحدة ، وبعدها تلج عالم الخلو النهائي من فكرتي العطاء والأخذ .

-7-

أحب الصوفية لسبب واحد ؛ مفهوم الحرية عندهم مقترن بمفهوم الحب، والحب عندهم هو الرضى التام بالقائم .

-8-

أَيتُها السيدة
أحملُ فَائضا من المعنى لك
يُثقلني
في أي بابٍ من أبواب إقامتك أضعه ؟؟؟
أيتها السيدة
لا فرقَ بات عندي عن أي جسد ترتدين
كل ما في الأمر
أن ساحة الرقص تناديني بالحضور .

مت جيدا

مُت جَيدَا .
بقلم:سيومي خليل
----------------------------------------------
القصة القصيرة
----------------------------------------------
أسحب من كل طريق خطوات إستراحة ،كأني أسحب من الذاكرة صورة للإستئناس. 

أنا المسمى ب … لا أدري إن كنت ضميرا متكلما ،أم ضميرا غائبا، فكلما غادر هذا الشيطان إكتشفت عفاريت صغيرة داخلي .

كل يوم، كل ساعة ، كل لحظة … أكون لا أنا ، وهذه اللحظة بالتحديد يأتي الجسد المتوتر من بعيد ليعلن الإنفجار الشبقي والرغبة في المعرفة .

قبل أربع أيام من هذه اللحظة،صادف المسمى ب … إمرأة ملثمة، لا تدري العين أي وجهة تأخذ. كان المسمى ب … منشغلا بالبحث في الذاكرة ، منشغلا بإنتظار الحافلة، والتأمل في لا شيء. قبل مجيء الحافلة بشارعين ممتدين على جسد المسمى ب … أخذته المرأة الملثمة من يده،وقالت له في همس ؛ تنتظرك مفاجأة عظيمة. لم يدر ما يفعل،وبشكل آلي وضع يده في جيبه،وأخرج عملة نقدية، لكن المرأة كانت قد غادرت المكان والمسمى ب… كأنها لم تكن أبدا .

نظر المسمى ب … في وجوه الناس المنتظرة الحافلة، فلم يقرأ فيها شي سوى حيرة الإنتظار ،واللافهم ، واللايقين .

جاءت الحافلة، ولم يركب المسمى ب … ومرة آخرى تأخر عن الموعد المجهول الذي يحسه ، لكن لا يعرفه .

إني المسمى ب… المزداد ب … والذي أعرف مثلما يعرف الناس،وأعرف أقل مما يعرف الناس،وأعرف أكثر مما يعرف الناس،لا أعلن إني سيد الناس،لكني رأيت البشارة كما رآها بعض الخلق ،وها أنا أمشي حافي القدمين من مسقط رأسي المسمى ب … إلى حيث سأموت،وإلى حيث سيواريني الغرباء التراب .

يقال أن المسمى ب … قطع ما بين مدنتين،وما بين جيلين ،وما بين فكرتين متباعدتين مشيا على الأقدام الحافية .

الذين يعرفون المسمى ب … قالوا ؛ إنه راحل إلى قبره الذي يوجد بالمدينة الصناعية التي تضم قبور أناس غرباء كثر . لكن الفقر ، وبتفكير منطقي بسيط، هو سبب الرحلة . غير أن المسمى ب … إبتسم عندما قالوا له ؛إنك ذاهب للبحث عن عمل والخروج من الفقر. قال دون أن يتوقف ؛ إني ذاهب للموت … وإبتسم إبتسامة عريضة لا حدود لها ولا حواشي .

كل من كان بالدوار الفقير، وبتلك الأراضي الصخرية الجافة كان يغادر إلى الإسمنت ،ومصانع كل شيء ،وعالم الليل ، وعالم المال والضياع … إلا المسمى ب … فإنه كان يقول ؛ أن أغادر يعني أن أموت … فسمي بين أصدقائه بالميت.

بعد أن وصلتُ المدينة الصناعية،كنت قد مت فعلا، ورأيت جنازتي، ورأيت نعشي ، وسلمت على الناس الذين يحبونني ، وسلمت على الناس الذين لا يحبونني …وهذا ما قلته لكل أولائك الأغبياء .

في المدينة الصناعية صادف المسمى ب … تلك المرأة الملثمة،بعد أن إشتغل،وإشترى حذاء ،ونسي الموت .

لم يذهب للعمل ليلتين ويوم ،وبدل أن يحرس المصنع ،حرس نفسه المشرعة من المفاجأة العظيمة التي نبهته لها المرأة الملثمة. لقد عاد فكر الموت والقبر ؛ فليس هناك من مفاجأة عظيمة غيرهما.

فكر أن يعود إلى مسقط رأسه كي يموت بين الفقر، الصخور ،والأحباب غير الموجودين ،لكن،هذه المرة،سيغادر بواسطة حافلة أو سيارة صغيرة … لكن أمرا صارما جاء من العمل بالحضور على وجه الخفة والتحليق وإلا …

لم أكن نائما

لم أكن غائبا

ورغم ذلك سرق ما أحرسه …

وأنا المسمى ب …

أخضع لتحيقق مكثف من الإن والجن

من المرئي واللامرئي

من الذين يعرفونني …

والذين لا يعرفونني .

بعد غياب لليتين ويوم عن الحراسة، سرقت معدات،وإنتهكت الحرم،وحدثت حروب أهلية … والمسمى ب … سبب الفتنة،الكفر ،والخروج عن الطاعة .

قال المسمى ب … في التحقيق ؛ كيف تأمرونني بحراسة شيء ،مجرد مصنع بألواح وحديد،ونفسي أحق بالحراسة .

نظر في المسمى ب … المحقق، وتذكر أن الأذكياء غالبا ما يجيدون دور الغباء . أمر المحقق من معه بإنزال المسمى ب … إلى قبو المخفر،لكن المسمى ب … سمع شيئا آخر وصاح ؛ ينزلونني إلى القبر …

أنا المسمى ب …

أضع نفسي تحت التراب

أسمع النمل ترانيم أكلة دسمة

لا لشيء … لا لشيء …

فقط ، لأني حرست نفسي .

لم يكثرت المحقق لهذه النكتة السمجة، فالأذكياء غالبا ما يجيدون إظهار فنون التهريج الكثيرة .

ورغم أنني أنا المسمى ب … لا أحب النكت، إلا إنه في القبر، أو في القبو، فزت على نكير ومنكر بالنكت،وكانت الصحبة المتسخة جدا معي تنصت لنكتي بإندهاش غريب لا وصف له غير أنني فنان .

قضى المسمى ب … ليلة باردة بنكت ساخنة في قبو المخفر، في اليوم التالي إستدعاه المحقق وسأله ؛

هل نمت جيدا .

أجاب المسمى ب … ؛

لقد مت جيدا .

ثم أطلق المحقق سراح المسمى ب … لأن لا شيء سرق ، ولا شي ضاع ،ولا حرب وقعت.

بدأ المسمى ب … بالضحك ؛ هل هذا كل ما في الأمر ؟؟؟؟.

لم يفهم المحقق ما قصد المسمى ب … قال معقبا ؛ هل هذا هو الموت الذي أخفتمونا منه .

سأل المسمى ب … أحد المارة، وهو يغادر المخفر، عن إسمه.أجاب المار بشكل سريع ؛ إني المسمى ب …

بعد سؤال كثير،كان الجميع يسمون ب … كلهم مساكين ، كلهم يحملون وجوها فوق وجوه …. وكلهم زاروا القبر .

أرقام رابحة

الكاتب : سيومي خليل
أرقام رابحة
-------------------------------------------

آفة السياسة هي حين لا يعرف معناها الساسي ، كأن لا يفهم النجار أصول حرفته ، ومع ذلك تتكاثر طلبات صناعة الطاولات عنده ، الطاولات نفسها التي سيجلس عليها المتحاورون للنقاش ، فما تلبت أن تتهاوى لضعف صنعتها ، وبسبب الحوار البيزنطي الذي يخوضه الجالسون عليها .

حين تبتلى بلسان سليط ، أحد من سيف مهند ، وبعقل كسول ،أسوأ من صفات حيوان النعسان ... توقع أي شيء ، وترقب أن تصير الممارسة السياسة عبارة عن قدرة على تجميع أكبر قدر من المصطلحات ،والمفاهيم ،والشتائم ، والقذائف السادية ،وحيل إقحام المحاور بالضجيج والصراخ والزعيق ... وسينصرف حينها التحليل السياسي ، والفهم المستنير ، ودقة الإنتياه ، إلى غيابات الجب ، لكن للأسف لن تجد سيارة تنتبه إلى هذه الضحايا ،كما انتبه السيارة لوجود النبي يوسف .

موضع الداء في كل ما يحدث عندنا ، وعندنا تحديدا ، هو تبخيس اللعبة السياسية بشكل واضح ، واعتبارها أحد ألعاب القمار الكثيرة ، لا يتطلب من اللاعب فيها إلا بعض الجرأة، أي التسنطيح *بدارجتنا ، وبعض *تخراج العينين *،والضربة بحدة على الطاولة الهشة ، والكثير من مسيح الكابة ، كي يحقق رقما رابحا .

أليس صعود بعض الأمناء العامين لقمة أحزاب عريقة ضربة حظ سياسية ؟؟؟

أليس وجود هذا السيل من أعضاء حزبيين لا يعرفون تاريخ أحزابهم، ولا تاريخ الوطن الذي احتضن أحزابهم، ولا تاريخ الرجال الذين من أجل الوطن أنشأوا هذه الأحزاب ...شبيها بمرتادي ألعاب البوكر ،ومهووسي آلات القمار الكهربائية المثيرة ؟؟؟

كأن السياسي يملأ استمارة خاصة بالقمار على الخيول ، فمقامر الخيل لا يعرف إلا إسم الخيل وراكبه وبعض المعلومات التي تكون في الغالب مغلوطة لتضليله ، تم يقامر بنية الفوز ، رافعا أكف الدراعة لإلاه عظيم حرام القمار ... الأمر هو ذاته مع السياسي ،مع بعض التغيير ، لأن الخيول تصير أحزابا ، أو بالأحرى تصير رجالا وشخصيات محددة هي الباب العظيم على الحزب ، فهل أنتم تعقلون .

لذا من الأفضل لي ألا أتحزب ، فلا أدري بأي إلاه سيطلبون مني السجود له ؛ لتكن حزبي هي الكتابة .

صناعة المجازر

صناعة المجازر
الكاتب :
سيومي خليل 
--------------------------------------
يجب أن لا يسال الدم من أجل الحق في إبداء الرأي الخاص ،وإدانة القتل توجبها صفتنا الإنسانية عموما ، والإبتعاد عن إزهاق الروح بكافة السبل يتخطى التبريرات التي تساق من أجله ، لذا وُضعت تشريعات وقوانين تحاصره ، وتُموضعه في خانة صفات الهُمج ، وتدين أصحابه بالميل عن التمدن والتحضر ...إنه في المجمل أسوأ ما يمكن للإنسان إجتراحه في حياته .

هكذا أدين قتل المعتصمين في ميدان رابعة العدوية ، وهذا لا يعني أني مع حركة الإخوان والمعتصمين ، ولا يعني أيضا أني ضد العسكر ، لأن المعادلة بهذه الطريقة ،والتي يلخصها السؤال الساذج التالي ،والذي انتشر بسرعة ؛ هل أنت مع الشرعية أم مع العسكر ؟؟؟ سؤال غير موفق إطلاقا ، وغير صحيح ، مهمته الأساسية هي أن يجعلك تلخص الأزمة في إكلشيهات تعبوية لا أقل ولا أكثر .

القتل هو المدان الأول ، والقاتل هو مجموعة من الأطراف صنعت المجزرة في ميدان رابعة العدوية ، ورأت في عدد القتلى أهدافا مسجلة ، سيتم إستغلالها بشكل أو بآخر .

لقد صنع الإخوان أولا المجزرة ، وبصمات مسؤولي الحركة واضحة على جثث القتلى . صنعت الحركة المجزرة ،كي تعلن مجموعة من الإشارات إلى الرأي العام الدولي :

-1-تعلن إنتهاك حقها في التواجد الحركي والحزبي ،وتعلن نية إستئصالها من طرف أعداء الديمقراطية ، هذا المصطلح الذي باتت الحركة تهيم به كثيرا ،و تستعمله كثيرا، رغم عدم إيمانها به،وكفرها الشديد بالفكر الناتج عنه .

-2-تعلن أن إخضاع أعضاءها للحكم العسكري غير مبرر كما تراه ،و وتعلن أن جعلهم يصمتون على فضيحة المؤامرة التي تتعرض لها مصر المحروسة ،والتي يعملون على جعلها محروسة دائما كما يتوهمون،هي الآخرى لن تكون موفقة .

-3-تعلن تمسكها بحقها في رئاسة مصر ، وفي سيادة كل المصريين ،حتى وإن خرجت يوم 30 يونيو ملايين المصريين معلنة عدم رضاها على حكم الإخوان ،وعلى حكم الرئيس محمد مرسي . هذا التمسك بالشرعية يبسط الأزمة ،والوقائع ،ويعتمد على الشرعية الإنتخابية فقط،وهي كما هو معروف غير كافية لوحدها ...

إن التمسك بالوهم أهم من صنع المجزرة ، لكن وعي الإخوان ، خصوصا المسيرين الكبار للحركة،وأقطابها المشهورين ، برغبتهم في حصول المجزرة بهذا الشكل ، هو أسوأ ما صنع المجزرة وجعلها دموية، وهو دافع عن سبق إصرار وتخطيط ، فمسؤولي الحركة جروا الأعضاء ،والمتعاطفين، والجموع المعتصمين إلى تصويب البندقية على أنفسهم ، لقد علمت الحركة أنه بحصول مجزرة كالتي وقعت في ميدان رابعة العدوية ، سيجعل رصيدها من التعاطف يزدداد، لأنها تعلم أن المواطن العربي عموما لا يفصل بين الجثة الممدة على إسمنت بارد ، وبين أسباب قتل هذه الجثة ، فتدين بشكل متسارع القاتل الواضح ،والذي لا يحتاج إلى كشف ، وتندب مع القتلة الباكين المتخفين ،وغير الواضحين تماما ، لذا كانت إدانة العسكر سريعة، وهو يستحق الإدانة ، ويجب عليه العودة إلى ثكناته ، لكن عملية الإدانة عليها أن تتم وبشكل متكامل وتطال الجميع .

لا يهم في عرف الحركات التي تصف نفسها بالدينية ،من يُقتل من أعضاءها ، فالقتلى عند هذه الحركات هم شهداء عند ربهم يرزقون ،حتى وإن قتلوا أنفسهم في معارك فاسدة ،لكن الأسوا أن من يقتل من هؤلاء الأعضاء في رابعة العدوية جروا إلى هذه النتيجة التي لم يكونوا على توقع بها إطلاقا ، لكن الكبار في الحركة كانوا يعلمون ويتوقعون هذه النتيجة ؛ فلما لم يوقفوا هذا السيل الجارف من الدم قبل وقوعه وذلك بإنسحابهم من الميدان وإجرائهم مفاوضات ستظهرهم حتما أكثر تسييسا وفهما للأحداث ؟؟؟ببساطة ، لأنهم يرون في دور الضحية مزايا أكثر،وفوائد مهمة ، ولا يرون في دور اللاعب السياسي المتعقل أي فضل .

صناعة المجازر صناعة إحترافية ، وخلق سرادقات البكاء التي لا تنتهي هواية تجيدها الكثير من الإيديولوجيات .

لقد دخل العسكر المصري في متاهة منذ فضل إسقاط مرسي ، والركوب على احتجاجات ملايين المصريين الذين خرجوا يوم الثلاثين من يونيو ،مطالبين بتنحي الرئيس محمد مرسي الإخواني، وليس بتدخل العسكر لتنحية مرسي ، لكن الفرصة جاءت مواتية، وكانت سانحة لتنفيذ العسكر ضربته الإستباقية ، وكانت سانحة أيضا للغاضبين على عزل حبيبهم حسني مبارك ، والذين سموا بالفلول – أسماء لا مرجعية سياسية لها إطلاقا –كي ينتقموا لأنفسهم . وجد العسكر الطريق معبدا كي يعلن ضرورة تنحي الرئيس محمد مرسي؛ فهل نخلط بين أحقية الشارع المصري وإحتجاجاته لعزل مرسي وبين إستغلال العسكر لهذه الأحقية ؟؟؟.

ارتكب العسكر خطأ شديدا بتدخله السريع في قضية سياسية ، ووجد نفسه مطالبا بفض إعتصام كان لا محالة سيدوم طويلا،وسيدوم إلى أمد غير محدد ، لأن المعتصمين فيه عبئوا بشكل دقيق كي يعطلوا قدراتهم على الفهم ،وعلى تحليل أوضاع بلادهم مصر .لم يبق أمام العسكر إلا زناد البندقية ، وتوزيع القناصة فوق الأبنية ،وتحريك الجنازر والدبابات، والأكيد أنه كان يعلم أن هذا تحديدا ما تريده حركة الإخوان ، وما تسعى إليه بثقلها كله ،كي تجعل العسكر مدانا أمام الشرعة الدولية ،وهو حقا مدان، وكي يتم نسيان أساس المشكل الذي كان منذ البداية ،والذي تمثل في عدم قدرة الرئيس محمد مرسي على تسيير مصر ، وعدم رضى المصريين عليه .

بأمر واضح تم إطلاق الرصاص ، وتم تحريك الدبابة جهة الجسد المعتصم ، وتم صناعة المجزرة التي خططت لها الحركة ونفذها العسكر .

حركة الإخوان خططت للمجزرة بدقة عالية، وبدأت في توزيع ألقاب الشهداء على الضحايا المتوقعين والمفترضين ، وعرفت كيف تنشيء وديانا من دموع مدرارة .

الحركة خططت ،والجيش نفذ بعنف واضح ،كي ينهي المهزلة .

قدمت التيوقراطية برامج خطة المحزرة ، وحملت الجندية السكين .

كما دائما يأتي الإعلام ، ليمهر ببصمته الأحداث بخط واضح ، والحدث هنا مجزرة بشعة . الإعلام هو من يوافق على ربط المجزرة بهذا الطرف أو بالطرف الآخر ،وهو من ينفيها عن الآخر، وهو من يعلن هذه ضحية والآخر قاتل وغاشم ، وفي هذا الإعلام تنافس المتنافسون ، بين إخوان ضحايا وعسكر متجبر وقاتل للذين من المفروض أن يحميهم ، وبين عسكر بطل وإخوان أنذال إرهابيين ...لذا وجب التنبيه مرة آخرى أن الطرفين معا ىسيذهبان بمصر إلى بركة آسنة مليئة بالدم .

إن من يصنع المجازر يؤمن بأن القتلى فيها مجرد أصفار تقع أمام رقم واحد -0000001- الذي يمثله هو نفسه ، وهو يعلم أن ما ستفشل الدبلوماسية والحوار في جنيه من ثمار ، ستجنيه أكوام من الجثث المرمية وسط ممرات المستشفيات :

-1- حركة الإخوان تعلم أن قتل أعضائها ،والمتعاطفين معها، سيجعلها أقوى ولو إلى حين ،وسيتعاطف معها الرأي العام المصري، والعربي، والدولي ، وهذا ما لم تكن ستحققه بإنسحابها من ميدان رابعة العدوية ، لكنها لو علمت لأدركت أن الإنسحاب كان سيجعلها أكثر وطنية .

-2-العسكر بفضه للإعتصام في ميدان رابعة العدوية يضيف هيبة إلى هيبته ، فهو يعرف أنه سيدان لبعض الوقت بسبب كثرة القتلى ،وليس بسبب فض الإعتصام ،الذي ربما أخذ أمرا من أطراف دولية كثيرة لتنفيذه، لكن الجميع بعدها سيشيد بقدرته على فض الإعتصامات ونزع فتيل الإضطراب ؛ يا لها من قدرة على فص الإعتصامات .

-3-الإعلام بالصور والفيديوهات التي تخدم طرف دون طرف آخر ،وتسيء لطرف مقابل طرف آخر ،يؤكد وجوده الدائم والإنتقائي والإجرامي في حق المشاهد.