الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

إنزالات ديمقراطية

الكاتب : سيومي خليل
إنزالات ديمقراطية 
----------------------------------------------------
ستقرر الديمقراطية ، بعد المنع الطويل عن ولوجها المؤسسات ، والكره الشديد لتواجدها في الشارع ،وفي حوارات المقاهي ،وتقزيمها حد إهمالها بين المناضلين، وأشباه المناضلين ... ستقرر الديمقراطية أن تقوم بعمليات إنزال مباشرة .

من كثرة الإنزالات، التي أصبحت هواية غير احترافية ، وليست بها شروط موضوعية ، أصبحت من غير مفعول ، وباتت نزهة بين الحدائق الإسمنتية ، وجنب ساحات التحرير والتقييد معا ، إنزالانت بألوان ثوب المهرج كما تم تصويره لنا في كتيبات* البوند ديسيني* ؛ الحزب الفلاني يستعد لمؤتمره العام ،فيختلط عليك الأمر جين ترى عدد حراسه، وحاميه ، الذين يفوقون الأعضاء ، فتقول : إنه ‘نزال أمني حزبي ، ولكم في أرشيفات الأحزاب عبرة يا أولي الألباب ... إنزال أمني بلعبه الحارقة ، والمائية ، والمسيلة للدموع ، وبحقد رجاله على بعض المحتجين الأوفياء للغائبة دائما الديمقراطية ... المهرجانات تصيرا إنزالا هي الآخرى ، وتختفي الموسيقى وراء غلظة بعض الساهرين على تربية الغنم المتفرج ...

لهذه الأسباب ،وللاحساس الشديد بالضيم، وللحكرة الحداثية جدا ، ستقرر الديمقراطية أن تقوم بإنزالات دون تصريح، رغم علمها أن الكثير من أعدائها سيتربصون بها ، ورغم علما علمها بأن الكثير من مناصريها سيتوارون خلفا ، إلى أن أن تسقط مضرجة في دمها على إسمنت بارد ، كي يبدأوا هواية الندب ، وإقامة سرادقات العزاء والعيادة ؛ ألا يجبرونها دائما على الحياة والموت ، ويبلونها في كل حين ؟؟؟.

إنزال أول *
ساحة الإنزال هي الحوار :

بثقلها، وغنجها المعهود، ستنزل الديمقراطية في قلب الحوار، كي تتبث رأيها فيه ،والتي تراه أفضل ما يضمن إستمرار لغة الحوار، إنه رأي يضم كلمة واحدة ، وهي الإختلاف ، فالحوار طبيعته الإختلاف ، والناس تتحاور لأنها مختلفة ، وتتحاور على أشياء إختلفت عليها ...

ستقول الديمقراطية بإيجاز : لا يمكن أن ترغم أحدا على تبني أفكارك ...

سيقر الجميع ببداهة هذه الفكرة ، لكنهم سيحملون العصي كي يثبتوا صحة أفكارهم، وسيصرخون بأغلى صوت كي يوصلوا معلومة ما ..

ألام أقل لك أيتها الديمقراطية أنك مكروهة جدا .

إنزال ثان*
ساحة الإنزال هي المؤسسات العامة :

الصدمة الشديدة التي سببتها هشاشة مؤسسات التسيير والتدبير ، وفلسفة الإقطاعيات التي يتبناها القائمون على هذه المؤسسات ،والإهمال الشديد لمفهوم المواطنة في مكاتبها وأقسامها ، والتعامل وفق فكرة المعادن الأفلاطونية مع الملتجئين لمصالحها ...كانت سببا مباشرا لنزول الديمقراطية لهذه الأماكن التي تكره الضوء، والتي يعيش أغلب ،وليس كل ، القائمين بها ، والقائمين فيها ،كالخفافيش على مص دماء سيئي الحظ .

ستنزل الديمقراطية ، رغم تمنع هذه الأماكن لأزمنة طويلة عن قبول هذه الضيفة المكروهة والمحبوبة جدا ، ستنزل كي تقول : إن فكرة المؤسسات فكرة أنوارية ، جعلتنا نعرف ، ونؤمن بفكرة المساواة بين أبناء الوطن الواحد ...

سنرفع رؤوسنا مؤكدين على قولها ،لكن سنطرد صاحبة القولة شر طردة ، هذا إن لم نختطفها رهينة في أحاديثنا الفارغة ، وسنعود إلى إشاعة الظلام في المؤسسات ، وسنقيم الوالجين إليها حسب هوياتهم الشكلية والسياراتية والمهنية، لأنها هويات تضمن أن يكون هناك مصروف إضافي في الجيب ،أو تضمن رقم هاتف *سكور* تقتضيه حتما حاجة ستأتي في المستقبل، أو على الأقل للتباهي بأننا نحمل رقم هاتف فلان الغني والمسؤول والكبير جدا وال ...وال ... وال ...أتعرفون ذلك الرجل إنه أعطاني رقم هاتفه الهام والمهم .

إنزال ثالث*
ساحة الإنزال هي السياسة التي تضم إحتجاجات مليونية -رغم أن الميادين في عالمنا العربي بالكاد ضم هذا العدد ؛ هل حقا فكر مهندسونا في تشيد ساحات تضم هذا العدد ؟؟؟ لا أعرف -:

أهم إنزال هو الذي خاضته ، وتخوضه، وستخوضه دائما الديمقراطية، يقع في ساحة السياسة ، فالديمقراطية تؤمن أن الإصلاح يأتي بدرجة أولى من هذه الساحة ، وتعرف أن هذه الساحة جد واسعة ، ومليئة بمتاهات لا يعرفها إلا رجالها ،ولا يجيد الخوض فيها إلا من طبق تعاليم كتاب الأمير ،حتى وإن لم يقرأه ،..

ساحة السياسة هي ساحة للتوريط في ضوئها وضلامها ، ويجب على الديمقراطية أن تضع علامات تشوير في طرقها الكثيرة ، وعليها أن تعلم السائقين ،والراجلين في طرقها ، أن السياسة مهمتها هي التدبير المعقلن للإختلاف كي لا يصل طرف إلي تكفير طرف آخر ، أو يجهل طرف الأطراف الآخرى ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق