الأحد، 27 أبريل 2014

الجامعة والقتل وسوء الفهم

الكاتب : سيومي خليل 
الجامعة والقتل وسوء الفهم .
-----------------------------------------------

يمكن الحكم على بلد من خلال الحكم على جامعاته، وكلياته ،ومدارسه العليا ،كأننا نحكم على توتر الخاطر من خلال إرتعاش اليد ،وجامعاتنا للأسف تعيش توترا لا ينتهي ،ولم يتوقف يوما ،وما زال كل يوم يضطرد ،ويتكاثر ،كبيض النمل الأحمر .

سنة 1975 ستعرف جامعاتنا لون الدم ،ستتسلل مدية حادة في الخفاء لحركية قلب النقابي عمر بن جلون،ولأسفل بطنه ، حينها سيختلط لون الطباشير بلون الدم ، وستعرف المقررات الجامعية عنوانا آخر بين دروسها ،عنوان يجمع بين كسل الطالب وعنفه الذي سيتزايد .

الجامعات كانت عين إدريس البصري ، وأعين أعوانه الجاحظة ؛ يعرف فيها من مع / ومن ضد ،و من يصلح ليكون كومسيرا وقائدا وضابط الغد ، ومن يصلح لكي يكون كرسيا في حزب إداري، ومن يصلح لتأكله رطوبة السجن، ومن يصلح ليكون عين آخرى للعين الجاحظة ، ومن يصلح ليكون لا شيء في المستقبل من أيامه .

الجامعات هي الحدائق الخلفية لمجموعة من الأحزاب والحركات التي يعجز خطابها على تجاوز أسوار الجامعة ، والتي تلعب على المتناقضات التي يحملها طالب جديد يحمل حلما غير تام ومعاناة وفقر كاملين ، إنها تشبه تلك المناطق الجغرافية التي كانت تتقابل فيها الجيوش لتقاتل بعضها بعضا في الحروب القديمة ّ،مع فارق أن تلك الحروب كانت تحترم شروطا كثيرة ،أما هنا فالشروط هي أول الضحايا...

ما وقع في جامعة محمد بن عبد الله بفاس ، ظهر المهراز ، للطالب عبد الرحيم الحسناوي، المنتمي لمنظمة التجديد الطلابي ، يعيد إلى الأذهان كرونولوجيا المواجهات الدموية الكثيرة بين الفصائل الإسلامية ، والفصائل القاعدية المتعددة والمختلفة ،والتي انتهت في حالات كثيرة ببتر للأعضاء ، أو تشويه للملامح ،وإلى حالات القتل الشهيرة التي إنضاف لها الحسناوي ، علينا ألا ننسى زبيدة خليفة التي اقتحمت رصاصة جمجمتها ، علينا أن لا ننسى المعطي بوملي وجثته المشوهة ، علينا ألا ننسى آيت الجيد محمد بنعيسى ... إنها صيرورة من المواجهات تدل على انعدام الجو المناسب للتحصيل العلمي وللعمل السياسي داخل الجامعات .

الجامعات تتنرح كديك هزيل مذبوح بمدية غير حادة لم تقتله ولم تترك له كامل النفس ؛ الفصائل كلها ، بتلاوينها الإيديولوجية والسياسية ، تتقمص مفهوم الميليشيات ، إنها تحمل العنف بدل حمل الأفكار والحوار والنقاش الفكري والسياسي . محاولة ربط العنف بفصيل النهج الديمقراطي القاعدي ، البرنامج المرحلي ، أو بفصائل قاعدية آخرى ، أو بفصائل إسلامية ، هو محاولة فاشلة لإخفاء عطب البلد بالكامل ، إن العنف صار منظومة مفكر فيها وواعية من السلوكات ، تظهر في الجامعة بشكل أكثر حدة ،وبشكل خاضع لإصرار غريب صادر عن الجهل بالعملية الساسية ، فالطلبة جميعهم يسقطون تحت تأثير التعبئة والحماسة ويغيب لديهم التفكير العقلاني .

من المدان في قتل كل هؤلاء ؟؟؟

لقد كانت الفصائل الإسلاموية تنهج السيف والساطور والشاقور طريقا للحوار ، لا تحاور إلا بعد أن ترى الدم ، ودخلت معها فصائل اليسار القاعدي في هذه الموجة كرد فعل أولا ، لأن دخول الفصائل الإسلامية لاتحاد الوطني لطلبة المغرب كان بإدارة مخزنية صرفة ، وكان يهدف لمحو دابر اليسار بإختلافاته جميعا ، لقد تولد العنف نتيجة عدم الرغبة في استحضار الحوار والنقاش .

المدان في العنف ،وفي القتل ،والتشويه ،هو سياسة الإقصاء التي نهجت بشكل متعمد .

المدان في العنف ،وفي القتل ،والتشويه ،هو سوء استوعاب العمل السياسي ،وسوء فهم الساحة السياسية ، وإبدال الأطراف فيها بتنانين لا يمكنها أن تتعايش مع بعض .

لقد حضر بن كيران جنازة الحسناوي ،وحضر وزيره الداودي ،وحضر آخرون ، بأي صفة حضروا لجنازة الفقيد الحسناوي ؟؟؟ إن كان حضورهم ذا طابع إنساني تضامني ، فلقد سبق موت الحسناوي موت لآخرين ؛ مات طالب قاعدي بفاس قبل موت الحسناوي ،مات محمد الفزازي ، لقد سقط طالب من أعلى بناية في مرتيل ، وجدت شابة مشنوقة في الرباط ... ألم يكن حريا برئيس الحكومة ببن كيران أن يحضر لجنازة هؤلاء الطلبة ؟؟؟ أكان لا بد أن يكونوا من منظمة التجديد الطلابي كي يحضر ؟؟؟.

إن إدانتا للعنف دائمة ،والقتل شر القبائح ، ويدل على منتهى حقارة القاتل ؛ لكن من هو القاتل تحديدا ؟؟؟ أهو من ينفذ المشهد الأخير من الفلم ،ويحمل ساطورا كي يدخله في رأس مخالف ؟؟ أم هو من يضع القاتل والمقتول في حلبة للتصارع ، ويؤثث الحلبة بكل أنواع الأسلحة ، والأفكار المريضة ؟؟؟.

لنعد الخيط إلى الخلف قليلا ،لنتتبع ما قبل موت عبد الرحيم الحسناوي المنتمي لمنظمة التجديد الطلابي ،سنجد عضو حزب العدالة والتنمية حامي الدين ،وقصة موت آيت الجيد بنعيسى ،وسنجد محاولة إستفزاز اليسار القاعدي في ظهر المهراز ،وسنجد ندوة لم يكن هناك داع للإخبار بها في جامعة كظهر المهراز ؛ هناك من إستنتج أنه نوع من الإنتقام لمقتل أيت الجيد بن عيسى ، لكن المتهم ،وللغرابة ، ليس الفصيل الذي كان ينتمي إليه الشهيد آيت الجيد ، بل هو فصيل عدو لفصيل آيت الجيد ، إنه النهج الديمقراطي القاعدي ،والذي كان دائما ما يعتبر آيت الجيد ليس شهيدا لليسار ، آيت الجيد انتمى لفصيل القاعديين التقدميين ؛ إن الإتهامات غير محبوكة جيدا، وهي ترتبطة بتحليلات غير واقعية للحدث .

لقد تم القبض على طلبة من فصيل النهج الديمقراطي القاعدي ، يجب تحري الدقة لمعرفة المسؤول، ويجب إسقاط الفكرة السابقة عن أن ما حدث هو نوع من الإنتقام ، لأن هذه الفكرة ستغطي على دقة البحث في الوقائع ، وستوجه الإتهامات للفصائل المعادية لمنظمة التجديد الطلابي ،خصوصا الفصائل القاعدية ، إننا نتجاوز الفصائل كيفما كانت من أجل البحث عن القاتل ، لكن في هذا الباب علينا أن نفكر ؛ ألا يمكن للقاتل أن يكون من منظمة التجديد نفسها ؟؟؟ ألا يمكن أن يكون منفذا لمخطط قصد محاربة اليسار في جامعة ظهر المهراز ؟؟؟ ألا يمكن أن يكون الأمر كله خاضع لنوع من الترتيب المضبط ؟؟؟

عزاؤنا لعائلة الفقيد ،عزاؤنا لكل الذين لا يحبون القتل ، عزاؤنا للذين يمارسون السياسة دون حمل مدية وسيف وحقد ، عزاؤنا لكل الذين لا يشتركون في مثل هذه المسرحيات التراجيدية المميتة ، عزاؤنا لمن يفهم السياسة على أنها حوار، عزاؤنا للذين يحملون هم التحصيل العلمي في الجامعة ، ويمارسون الفعل السياسي بعقلانية .

وليذهب كل الذين أسهموا في القتل إلى الجحيم .

لحسانة بلا ما والانتحار

الكاتب : سيومي خليل 
*الحسانة بلاما *والإنتحار 
-------------------------------------------
أقدم شاب على الإنتحار في إقليم بنسليمان،وبالضبط في مركز سيدي بطاش. سبب إنتحار الشاب هو قيام قائد المركز بحلق شعر رأسه . السؤال الذي يراودني في هذه الواقعة ،هو التالي ؛من الذي ارتكب جرما أكبر المنتحر أم القائد الذي قص شعر الشاب ؟. أو بصيغة آخرى ؛ هل الإنتحار أسوا أم قص الشعر ؟؟.

سيبدو جوابي غير متوقع عند كثيرين ، لكنه جد منطقي ،وله ما يبرره .

شعر الشاب وإن قص يمكنه أن ينمو ، وإن صفع ككلب حقير يمكنه أن ينسى ذلك ،وإن اغتصب يمكنه أن يتناسى أنه تحول لبالوعة جنسية ، وإن أهين يمكنه أن يداوي قلبه ... لكن رغم كل هذا يبقى قص الشعر هو أسوأ كثيرا من فعل الإنتحار في هذه الواقعة .

يمكن أن أقول أن قص الشعر هو فعل أكره عليه الشاب ، رأى فيه إهانة لوجوده الخاص ، رأى فيه تطاولا على صلاحياته الشخصية ، وتطاولا على تصوره لجسده ، وتطاولا على مفهومه للجمال ولتصور الآخر له .

هي إذن عودة لزمن القياد الذين تطال أعناقهم عنان السماء تكبرا ،والذين يعتقدون أنهم ظلال الله في أرضه .

هل هناك مسطرة قانونية تسمح للقضاء بالحكم بقص شعر المذنب كي تكون شماعة هؤلاء القياد وهؤلاء الماضويين في تفكيرهم ؟؟. لا أعرف إن كانت هناك مسطرة جنائية ،ولا يهمني أن أعرفها ، لأن الأمر في البدء والمنتهى إنتهاك لحق الفرد في التعامل مع جسده كما يريد .

إستدعت وزارة الداخلية هذا القائد للتحقيق معه .هل عودتنا وزارة الداخلية بتحقيقات جدية ؟ إن وزارة الداخلية دائما ما تخرج بتحقيقات مهادنة ، تدر الرماد في العيون ،وتترك الحزن في مآقي الثكالى والمتألمين .

أتوقع أن التحقيق سييكتب بهذا الشكل :

إلى الرأي العام المحلي والوطني
لقد أفجعتنا حالة إنتحار الشاب المسمى ---والذي كان يعاني من إضطرابات نفسية شديدة جعلته يعتقد أن قص شعره هو شبيه بأخذ قلبه منه ، والواقع أن قائدنا الوفي كان يرغب في تحسين جمال الشاب ...

هذا هو منتهى إنتهاك كرامة الفرد .

أن يتصرف قائد دون العودة إلى القوانين المنظمة لعمله والمجحفة أصلا ،وأن يعمل مزاجيته ،ورغباته المرضية ويسقطها على شاب ،ويبدأ بقص شعره الذي ربما يفتقده هو ،يعني أننا لم نغادر زمن خربوشة وزروالة والقايد سي عيسى والعسس المنتشر في كل مكان .

لا يمكن لأحد أن يقنعني أن عملية قص الشعر الذي بدأنا نسمع بها ،هدفها أخلاقي ؛فما علاقة الأشكال بالأخلاق ؟؟؟ سيقول القائد ،مثل آخرين غيره ،إنه محافظة على القيم والأخلاق ... يا سلام .القيم التي أردتموها أن تقف عند حدود الشكل لا غير ؛ حجاب، لحي ، مسكنة ،لبس أفغاني ...يا لغرابة هذا العالم حين تكون الأخلاق مرتبطة بخرق بالية أو بقصر الشعر وطوله .

إنتحار الشاب هو بكل بساطة بسبب إحساسه بانعدام الأمان في هذه الحياة ،وإنعدام الأمان يأتي حين تتغير وظائف الذين من الواجب عليهم حمايتنا وتوجيهنا إلى سياط على أجسادنا .

إصرار بعض المحسوبين على الداخلية على تبني *القايد سي عيسى المستبد * داخلهم ،وتقمصه كشخصيتهم الأثيرة ،هو رجوع إلى زمن الحجر والوصاية . ربما توقف الزمن عند هؤلاء القياد ، ولم يعد يمثل لهم التغيير شيئا .

صناعة المعتقد

الكاتب : سيومي خليل 
-------------------------------------------
عن صناعة المعتقد 
--------------------------------------------------
ساسَ الأَنامُ شَياطينٌ مُسَلَّطةٌ
في كُلِّ مِصْرٍ مِنَ الْوالينَ شَيْطانُ
مَتى يَقومُ إمامٌ يَسْتَقيدُ لَنا
فَتعْرِفُ الْعَدْلَ أَجْيالٌ وَغيطانُ
رُوَيْدَكَ قَدْ خُدِعْتَ وَأَنْتَ حُرٌّ
بِصاحِبِ حيلةٍ يَعِظُ النِّساءَ
يُحَرِّمُ فيكُمُ الصَّهباءَ صُبْحـاً
وَيَشْرَبُها عَلى عَمَدٍ مَسـاءَ
يَقولُ لَكُمْ غَدَوْتُ بِـلا كِساءٍ
وَفي لَذّاتِها رَهَنَ الْكِسـاءَ
إذا فَعَلَ الْفَتى مـا عَنْهُ يَنْهى
فَمِنْ جِهَتَيْنِ لا جِهةٍ أَسـاءَ.
أبو العلاء المعري .
------------------------------------------------

تؤسس شياطين الإنس لمعتقدات تنميطية دونها جز الرقاب ،والصلب من خلاف ، والتعليق على أسوار المدن القديمة ، والإذابة في حامض الإشاعة . لقد أسس الإنسان لمنظومة من المعتقدات رسمها على الأديم والروح ،وراح يشعل النيران حولها كي تنتعش ،وقدم لها قرابين لا تنتهي في فم الوحش وإنما تستقر في كل جسده .

ضلالة المعتقد الثابت والأبدي، والذي يفرضا فرضا، ضلالة عجيبة غريبة ، لا هي من العقل ولا هي من النقل ؛ كيف نجمع الناس على قناعات واحدة ؟؟ثم كيف نجمعهم على هذه القناعات بوضع مهند على أعناقهم ؟؟؟.

تواضع الكهنوت ورجالته على وضع دوائر اعتقادية ،مركزها أوامر الله ونواهيه والتي هي أوامرههم ونواهيهم ، وشعاعها الخوف الإنساني ، وقطرها أمل موهوم بوضع غير الوضع ، فكانت الدائرة شراك أسوأ من شراك صيد الذئاب ،تمتد من لحظة الولادة إلى لحظة تعطل العقل وانحصار التصور الخاص للوجود .

ومازال في عصر إكتشاف النانو، والإستنساخ ،وقياس حجم المخ الإنساني وتحديد طريقةإشتغاله ،من يقول ؛ هذا خارج عن الملة لأنه أتى بما لا يؤتى .

كيف جمع الكهنوت تعدد المعتقدات في معتقد بقياس وطول وعرض وارتفاع ؟؟؟ هذا سؤال يدعونا لنبحث في تفكير هؤلاء الناس الذين يشكلون مؤسسة الكهنوت ؛ هل يفكرون أم يمثلون أدوار رجال يفكرون ؟؟؟.

تحالف الكاهن الذي خرج من جبة ساحر بأدوات خيميائية وطلاسم وكلام مبهم ،مع عسس لا يفكرون ،بأمر من كبيرهم *مول الشكارة * وصاحب غذائهم ومائهم وأرزاقهم ،وفي ليل طويل بهيم ،حددوا ما يليق وما لا يليق من الأفكار ،ولفوا المعتقد في سلفان رقيق ،وقدموه الثابت الذي لا يتغير للناس ولأفراد الجماعة التي هم على رأسها قائمون .

فرض المعتقد بالإكراه أدى بأعقل الناس إلى التعذيب والقتل ، وإلى إرغامهم الى العودة الميمونة إلى عين الصواب وقلبه ورئتيه ومعدته وهلم صفعا ،ومن فضل فيهم الإستماع إلى صوت العقل لديه رميت جثته لجرذان الأقبية ، وكأن ببتيي أبي العلاء المعري يقيسان دنس الإنسان بقدرته على فرض اعتقاد بحد السيف :

قَدْ فاضَتِ الدُّنْيا بِأَدْناسِها
عَلى بَراياها وأَجْناسِها
وَكُلُّ حَيٍّ فَوْقَها ظالِمٌ
وَما بِها أَظْلَمُ مِنْ ناسِها.

المغرب يخطو خطوة مهمة بمصادقته على حرية المعتقد ، لكنها خطوة تكربس ، بها قيود لا تجعلها قفزة من أجل الإنسان والحرية ؛ فمادام الواقع يقول بعكس التعدد العقدي ،ويضايق على المخالفين أيا كانت توجهاتهم ، فالأمر سيبقى تزيين لواجهة داخلها مغبر .

لما حرية المعتقد عقلانية إلى أبعد الحدود ؟؟؟ ببساطة لأنها تؤكد الحرية ، والإستقلالية في تبني أفكار ومعتقدات يراها الفرد مناسبة له ، إنها ستؤدي إلى تعميق مفهوم المسؤولية ، فالإختيار قنطرة المسؤولية وجسرها الملتصق بها دائما ،والأكثر أنها تتأسس على مبادئ عقلية ، بل على بديهيات شاء لها الكهنوت أن تكون كمسألة قياس حجم الفضاء .

أولى البديهيات أن تعتقد ما تراه مناسبا لك وأن تحيط به عالمك الخاص ، وأن لا تتدخل في فرض اعتقاداك على آخر مخالف .

ثاني البديهيات أن تراعي بنيتك الاجتماعية القائم فيها وأن لا تعادي ناسها البسطاء.

ثالث البديهيات أن لا تتخلى عما أمنت به من معتقد ،وتمثل أن غيرك في زمن الجهل الشديد آمنوا بمعتقداتهم العقلية حتى وإن كانت أسياخ ملتهبة توضع على أعينهم ، فلولا صمودهم ما كانت لي الجرأة على أن اذبج مقالا حول حرية المعتقد .

إن ما يجب التأكيد عليه في الأول والأخير أن تصوراتنا ورؤانا الوجودية والغيبية لا يمكن وضعها في قالب يصنع في محلات الكهنوت .

الهندام الديني

الكاتب : سيومي خليل 
الهندام الديني 
----------------------------------------

هذا القميص بأكمامه الطويلة ، وبلونه الزاهي ،يليق بك أيها المتدين ،والجلباب ،والبرنس،والقلنسوة ،والطاقية ،وقليل من العطر ... إنها أبوابك للجنة،جسر مرورك للنعيم ، إنها الطريق لتشكل صورة الملاك الزاهي في نظر الآخرين ، ولا تنس أن تضيف مرهما باريسيا للوجه كي يبيض أكثر،ويتدور أكثر ، فبياض الوجه دليل بياض القلب ونقائه .

كيف تم ربط الدين بالهندام ؟؟؟ .إنه سؤال الإلحاح والغرابة والسذاجة .

سؤال الإلحاح فرضه التصور الديني المعطوب للهندام ، صارت قطع القماش قطع بناء منظومة الدين .

سؤال الغرابة لأن العقل الحديث يقف مندهشا أمام هذا الإنحدار في الفكر والسلوك، فأي عقل يمكنه أن يستسيغ هذه العلاقة .

سؤال السذاجة لأني أحس، وأنا أسأله أني ساذج فعلا ، فلقد فصلت دائما بين الأشكال والمعتقدات منذ زمن بعيد،وأنا الآن مضطر لنظر في هذا الربط بين متناقضين.

كل الأسئلة السابقة تقف أمام صخرة التأكيد على الهندام الديني ؛ يا لهول هذا الغباء حين يعقلن الملابس، و يؤكد دينيتها،ويربطها بالقداسة ،وبالوحي ... .

استوعب جيدا أن يكون هناك حذاء رياضي للركض ،وقميص خفيف يساعد على المشي ،وبذلة سموكنغ تفرضها حفلة متعفنة للمتضخمين،وربطة عنق قصيرة تماشي موجات الموضة المتغيرة ... افترض أشياء كثيرة لا تتتصف بالقداسة ،ولا ترتبط عنوة أو خفية بمعتقد ديني .

أيام الجامعة كانت تصيبني حالات قيء فكري لا تنتهي ، فجموع الطلبة كانت تتمايز فيما بينها بالهندام ، فهذا المتأسلم أرخى لحية طويلة ،واستعار هنداما أفغانيا ،واصطنع الجدية الشديدة،وتقمص كآبة دينية ، ونقيضه الآخر قولب نفسه في سياق مخالف له ،وبدل أن يكون حوار الأفكار صار عندنا صراع الملابس .

صراع الملابس هذا هو عنوان الإختلافات الفكرية أام الجامعة ،وللأسف ما زال هذا الصراع يجد من يمده طاقة للصمود والبقاء أكثر

لأنك بلحية ومسكنة فأنت بالضرورة متدين؛ هذه العبارة ما زالت تجد من يمنحها أذنه،وينصت لها كأن على رأسه الطير . بالمقابل الملابس الآخرى والتي لم تدمج في الدين تعطي انطباعا عنك بأنك غير متدين،وتميل إلى الفسق والفجور أكثر ؛ هكذا يحتل الشكل صدارة الحكم .

كيف يمكن أن اسمع لمفتي بدون لحية ... هذا العبارة ليست مبتكرة،ولا من وحي خيالي ،إنما قيلت في محضرنا نحن مجموعة من المثقفين ، أو الذين ندعي ذلك ، علنا نمنح أنفسنا قيمة مضافة ليست لنا ،وقائلها تضخم حتى لم تعد له ملامح ، فهو كي ينتقد وينقض الدين انتقد ونقض ليبراليته المزعومة ، فلم أعد على يقين بأني أكلم شخصا عاقلا ، إنه شيء صادفته في حياتي القصيرة لا غير .

الطقوس ،والممارسات الدينية ، وممارسات السحرة في البداية ،أخضعت ممارسيها لسطوة إتخاد هيئة وشكل مناسب ،وهذا الأمر ليس بالجديد ، فإن كانت مقابلة شخصية مهمة ،رئيس أو ملك أو نصف إلاه على الأرض، تفرض الإنسياق والدخول في هيئة معينة ، فنحن لا نرى عيبا فيما تقوم به الهيئة الدينية ، لكن الإشكال يتعاضم حين يتم التأسيس لهندام ديني ثابت يدل على الورع ؛ هنا سقط العقل في شراك الجهل .

إذا تم إعتبار الشكل والهندام الديني شبيها بهندام فريق لكرة القدم ،وتفرضه ضرورة مؤقتة مثل المباراة، فهذا يعني أنه مجرد هندام درج المتدين على إرتدائه للمارسة طقس ديني معين ، لكن الأمر ليس على هذا الشكل إطلاقا ، فلقد إنتقل الهندام من إختيار فردي إلى إكراه تمارسه المؤسسات الدينية .

أتساءل هل من الممكن أن يقدم خطيب مسجد يوم الجمعة خطبته للناس وهو يرتدي سر وال جينز ،وقميص نصف كم ؟؟؟ يبدو الجواب واضحا ؛ فهذا الخطيب الذي سيجرؤ على هذا الأمر سيجد حصارين إثنين ؛ حصار المؤسسة الدينية ،والتي تفرض على الخطباء زيا معينا كّأنهم جنود مشاة ، وحصار الناس الذين ما زالوا لم يشكلوا وعيا ناضجا حول فصل التدين عن المظهر .

نساء كثيرات لا مشكلة عندهن في إسدال شعرهن الجميل على أكتافهن في حياتهن اليومية ، لكن حين يشرعن في الصلاة ، يضعن قماش على هذا الشعر النجس ؛كيف يتحول الشعر في وضعيتين من شعر جميل إلى مدعاة للخجل ؟؟؟ هل الله يخجل من مصنوعاته،وهل سيعتبر كما اعتبر رجال الكهنوت، الشعر دعوة للفجور ؟؟؟ أكيد لا ...الهندام أقحم بالإكراه في الممارسة الدينية وهو ليس من صلبها على الإطلاق .

هذه ليست دعوة –وهذا ما سيعتقده الأغلبية –للعمل على التخلي عن الحشمة في التهجد، لكنها دعوة صريحة لإسقاط الربط اللاعقلاني بين الثوب والتدين .