السبت، 8 يونيو 2013

ولاء الأيقونات

الكاتب : سيومي خليل
ولاء الأيقونات
--------------
من المتوقع ،دائما ،من الهيئات والحركات والأحزاب، التي تشخصن وجودها الجمعي في شخص ، أو في مجموعة من الأشخاص فقط ، ألا تستمر طويلا ،خصوصا ،حين تظل رهينة لفكر ، وتصور ،وتوجه القائد .

لابد من البداية ، لا بد من فكرة تختمر في عقل فذ، أو في عقول مجموعة قليلة الأفراد ، وبها -الفكرة -تبدأ خطوة الأميال المتعددة ، فأغلب التوجهات السياسية ، والفكرية ، والدينية مرتبطة بأسماء محددة ، هي أولا من أعطت زخم التواجد، ومن منحت لحطة الإنطلاق لإيديولويجة ما ، ومن رسمت طبيعة الأتباع ، والمريدين ، والأعضاء ...(حسب طبيعة الإنتماء )، وضرورة تواجد هاته الأسماء ،هي ضرورة بشرية حتما ، فالإنسان ،كان وما زال ، يحتاج غلى أيقونات يهتدي بها ، ووفقها يسير حيواته ومجالات إشتغاله (الفكر الحديث قلل بنسب ملحوظة هاته الحاجة خصوصا مع ظهور تيارات الفردانية التي تنأى عن سيطرة الجماعة) ، لكن الأمر يتجه إلى الصنمية ،حين يقتصر كل ما أنجز فيما بعد هذه الأسماء ،على العبقرية الفذة للمؤسسين الأوائل ، فبإستثناء التوجه الديني ، الذي يقوم على قدسية الموحى إليه / النبي / الرسول ، والذي ليس إلا واسطة الله مع العباد المحتاجين إلى الرشد (كذا ...)، تبقى صنمية الأسماء في مجالات السياسة خصوصا ،مناقضة للعملية السياسية المتسمة بالتغيير ،وبعدم الولاء إلا للأفكار .

تزداد حدة الولاء لصنم حاضر أو غائب / ميت ، في المجتمعات التي لا تعيش راهنها بشكل صحيح .

أتساءل ؛ لما ترفع صور مرسي في التجمعات الاخوانية ، في حين لا ترفع صور أوباما في محافل الحزب الديمقراطي -لا داعي للتذكير بالفارق بينها وبين بلديهما و...و ...-؟؟؟ ثم لما لا يتم إستحضار مؤسسي الحزب الديمقراطي رغم عراقته دائما، وبشكل مبجل ، في حين أن أحاديث الإخوان ، أو العدل والإحسان ، أو أحزاب الصدف اليسراوية ،ما تنفك تقرع اذاننا بأصنامها الخالدة .

إلى الآن ترفع صور بشار الإبن والأب في سوريا ، وإلى الآن ما تزال صور جمال عبد الناصر تشرئب بإطارها في المظاهرات ، وإلى الآن ماتزال الأيقونات القديمة تقبع في عمق السياسية العربية ، إن هذا يعني ببساطة قولة لويس الرابع عشر ؛ أنا فرنسا وفرسنا أنا ...إن هذه الشمولية تزداد لسبيبن إثنين ؛ تضييق مفهوم الحرية ، وإنتاج جيش من المواطنين الذين يؤدون دور الأبناء الصغار المحتاجين لآباء رحماء.

الولاء يتعمق حين تكون الدوائر التي يتم النحرك فيها ضيقة ،حتى بتنا نسمع ولاءات غريبة ،تزاحم الولاء للوطن وللإنسانية اللذان يظهران تبريرها بشكل جلي .

هيا لنحيا الاباء

فتاوى الدولة العميقة

الكاتب : سيومي حليل
فتاوى الدولة العميقة

---------------------
ترغب الدولة بعمقها المستحكم في توزيع الحياة ، على أن تكون حداثية ،و أن تأخذ من صفات دول ما بعد الرفاه ،و تعلي من يافطات الديمقراطية على جباه مؤسساتها ... لكنها في نفس الوقت تغور وراء إلى الأمس ،كي تحتمي بسلفية باتت عرجاء عن مسايرة متغيرات العصر الراهن .

إن التجلي الواضح لهذه المفارقة ،هو إعلان المجلس الأعلى للإفتاء ،فتوى قتل المرتد ؛ فكيف نزاوج بين فتوى تضرب صميم الإعتقاد وحريته ،وبين الرغبة في أخذ مكانة في قطار الحضارة ؟؟؟ ثم لما الفتوى تحديدا ، في وقت ، نرى فيه النا س يميلون إلى فردانية مستترة يحققون بها ذواتهم ؟؟؟ .

هذا ما أسميه خلط الأوراق المتعمد ؛ فالمجلس الأعلى للإفتاء ، ولأنه مؤسسة تمثل دولة ، يراهن على إمتداد العاطفة الدينية ، كي يضمن حماية سلفية لحاضر يريدونه حداثيا ، لذا لا يثوانى عن إظهار عمقه الديني ، وبالتالي عمق الدولة ، بأكثر الفتاوى تناقضا مع مفهوم الحرية . إن المجلس الأعلى للإفتاء، يعلم أن بعدم إصداره الفتوى لن يخسر شيئا ، بل سيحمي نفسه من سهام نقد الحداثيين ، لكنه رغم ذلك يصدرها ،لأن الهدف ، في واقع الأمر، أكبر منه ومنها ، إنه الرغبة في استدعاء حمولة السلف الأكثر ثقلا كي تقف في وجه حمولة اليوم الحداثية ... والرابح هو الدولة العميقة التي تلعب على المتناقضات، وتعيش منها ،والتي لا يهما أمر الحداثة ، بنفس قدر عدم اهتمامها بالسلف.

لو حدث وأفتى بفتوى ضرورة قتل المرتد أحد الشيوخ الخارجين عن هيكلة المجلس الأعلى ؛ إن النتيجة ستكون هي إدانة المجلس للشيخ بالإرهاب ...

لقد سمى المجلس الأعلى للإفتاء الفتوى بالمؤقتة ،وبغير الملزمة ، إذن لما علينا إيقاضها من سباتها الطويل ؟؟؟ .

ليس المهم أن فتاوى كثيرة لا يعمل بها ، لكن مجرد وجودها يعكس طبيعة الفكر السائد .

لا يمكن لأحد أن يقنعني بأن الفتوى لن تفعل، لأن وجودها يعني أنها خزان احتياط سيفرع حال الحاجة إليه .

أن تكون حداثيا وسلفيا أمر لا يمكن استيعابه إلا في حالة الأفراد الذين رأوا في أنفسهم القدرة على الجمع بينهما، لكن أن تحاول مؤسسات دولة أن تجمع بين خطى الأمام وخطى الخلف ،وتدعي في نفس الوقت أنها تعدو في مدار الحضارة ، وتتقدم لأخذ تذكرة لدخول بلدان الحريات والكرامة ، فإنها لا شك ستضطرب ، وينتج اصطدام يهدد التماسك الذي نعيشه

سجائر سارتر

 سجائر سارتر
القصة القصيرة
الكاتب : سيومي خليل
-------------------
أتصفح أسطر الغثيان من على حاسوبي الخاص . بعد كل ذكرى وجودية لسارتر ، انتبه إلى أن سيجارتي إكتمل إحتراقها ، دون أن أرشف منها أكثر من رشفة واحدة .

قررت أن أتوقف عن التذخين أكثر من مرة ، كنت أعود إليه بشراهة لذيذة بعد قراراتي غير الحاسمة ، لكن مع الغثيان وجدت أن الفرصة مناسبة لتحقيق قرار المنع ، كأن سارتر يقف ، وهو المذخن الوجودي بامتياز ، على ذخان سيجارتي كي يقول :

-
ألا يكفيك هذا الغثيان كي تضيف ...ويشير إلى السيجارة .

على مدار أوراق الغثيان ، وكلما خلت سارتر يبدد السيجارة دون أن أذخنها ، كنت أسأله نفس السؤال :

-
وأنت ...من منعك عن التذخين ؟؟؟

أحلق بسرعة إلى مقال دبجه غابريال غارسيا ماركيز ،عن كيف أصبح بعد إنقطاعه عن التذخين . إنه سؤال وجودي جيد ؛ كيف نصبح حين نغادر عاداتنا ؟؟.

يجيب سارتر بنزقه الغامض ،والمعهود، عن السؤال :

-
لن نصبح إلا نحن ، سواء كنا نحمل علب السجائر دائما معنا ، أو لم نحملها أبدا . أي فرق سيكون قائما بالفعل .. يقولون ، إن صحتنا ستتحسن ، فهل هذا يعني أننا أصبحنا غيرنا .

غابريال ، الذي أخبئ روايته الحب في زمن الكوليرا ،جنب الغثيان ، يحدق إلى ذخان مفترض ، ويقول :

-
بالفعل هذا صحيح سارتر ... لكني سأتحدث عن تغير الأشياء المحيطة بنا ، الأكيد أن ذخان السجائر كان يخلق رؤية سديمية يلاحقها الخيال ، ومدة التدخين نفسها ألم تكن مشغولة زمنيا ، إنها إشتغال يجعلنا قائمين على أمر ما .

السيجارة إنتهت مرة آخرى ،دون أن أرشف منها أكثر من رشفة واحدة ، فالغثيان الرواية أصابتني فعلا بالغثيان والنسيان معا . نظرت في الذخان المتصاعد من السيجارة ، ونظرت في رواد المقهى ، الجميع يحفهم ذخان بارد كريه ،قلت :

-
ماذا يفعلون ؟؟؟؟
أجبتني :
-
ما تفعله أنت ...؟؟؟
-
وماذا أفعل أنا ؟؟؟
-
لاشيء تحديدا ...

يجيب سارتر عن تساؤلاتي :

-
كنت ستسأل هذا السؤال لو لم تكن مذخنا أيضا ، ففجأة ستحس بجلوسك غير المبرر ، وستنظر في أشخاص آخرين يجلسون مثلك ، لا يحفهم ذخان بارد كريه ، بل سيحفهم شيء آخر ستحسه ساعتها ، وستسأل ؛ ماذا يفعلون ؟؟؟

رفعت يدي كي أبعد حذلفة سارتر الغامضة ،ونقرت على الحاسوب بحثا عن مقال يساعد في إبعاد ذخان السجائر .سمعت عيارة ماهذا الهراء ... لم أعرف من قالها ، لكنها كانت واضحة ، فكرت ربما هي صدى نفسي ، فكيف سيساعدني مقال عن الإنقطاع عن التذخين ، أنا من سأساعد نفسي ، وليس شيئا آخر .

كان أحد الأصدقاء قد جلس جنبي ، وشرع يقرأ المقال :
-
أفكر أنا الآخر بالإمتناع

أفكار عن الحنين

أفكار عن الحنين .
الكاتب : سيومي خليل 
نصوص تجريبية 

-1-
أن أَحِن ، يَعني أن أَرغب في العودة إلى زمن أَخشَى أَلا يَتكرر مرةً آخرى
أن أَحِن ، يعني أن أرغب في امتلاكِ شيءٍ ما، أو شخص ما ،أو فِكرة ما ، أخشى أن أَفقدها للأبد .
-2
هو الحنينُ الذي يُحَببُنا في العودة
يُزيلُ السواترَ بين اليوم والأَمس
هو الحنينُ الذي يعيدُ الصورَ
كي لا يبقى الشريط ُمن غير بهاراتِ الذكرى
هو الحنينُ الذي يُرغمنا عن سَرقة اللحظة .
-3-
بدايةُ حنينك ُهي بداية تداخل الأَزمنة لَديك ، فأنتَ قَبل الحنين تَعيش الأزمنة َبشكل منفصلٍ ، لكن حين تشعر بوخزات الحنينِ ، فهذا يعني أن صورةً من الماضي باتَت ترغب في أن تكون حَاضركَ ومستقْبلك .
صورةُ الحنين تنعكس ُعلى ما تَراه ، إنهَا توهمك بالحضور ،بل إنها تَحضرُ في الإِحساس بشكلٍ ملحوظ ، وتَنسابُ عبر مسارات الحكي والكلام بِشكل خفي ، وتتبث وجودَها عبر الحركات والسكنات ، وفي الحلم تكون سَيدة ُعرشك ؛ فأن تَحِن يَعني أنكَ ترغب في أنْ تكونَ مَملوكَا لما مضى .

-4-
نَحِن في الغالب إلى أشخاص ، أو أحداثٍ ، أو أماكن
نَحِن إِلى شخص عَرف كَيف يُلحن كورال الحب دَاخلنا
نَحن إلى حدثٍ رأَينا فيه أَنفسنا كَما كنا نحلم بها ، حَدث كنا نَحْنُ البطل فيه ،وكنا نَحْن من كتبه ، ومن ختم نهايته .
نَحِن إلى مكان وجدْنَا فيه قَلبنا ، ووجدنا فيه ظلنا الذي كان يبحثُ عنا ، ووجدنا فيه من يُماشي ظلنا في الليل .

-5-
الغاية من الحنين، لَيست كَما يظن أَغلبنا ؛ تخفيف وقع اللحظة الراهنة عَلينا ... الغاية من الحنين هي الرغبة في رؤية أَنفسنا بإحسَاس جربناه في السابق ، هَذا الإِحساس خَلق لدَينا نوعا من الإنتشاء الذي ما زلنا نحتفظ ببعضه .
الغاية من الحنين هي نَفسُها الحنين ، فأَحيانا نَحِن لأننا نرغب في ممارسة هذه الحالة النفسية الرائعة .

-6-
عَيشنا كله حنين إلى (...)
لقد تعلمنا أن ما عشناه دَائما أَفضل بكثيرٍ مِما نَعيشه الآن
لذا نَنكص على أَعقابنا عائدين إلى الماضي
ونَرتعد نشوة ًحين يتحقق إحساس الحنين .

-7-
غالبا ما لا نعيشُ الحنين ، لأَننا نغطيه بأحداث الحاضر وصوره ، نَكتفي بالتمعُن فيه من بعيدٍ ، وبإصدار آهةٍ طويلة جدا عنوانَا له ، والتأسف بكلمات بسيطة عما مضى ... ننسى أنه يمكننا جعله قائِما في صور وأحداث الماضي إذا ما استطعنا التركيز

اللاهوت العربي وأصول العنف الديني عند يوسف زيدان

الكاتب : سيومي خليل
اللاهوت العربي وأصول العنف الديني عند يوسف زيدان
------------------------------------------------
يدعو يوسف زيدان ، صاحب راوية عَزَازيل ، في كتابه اللاهوت العربي وأصول العنف الديني ، إلى ابتعاد من لمْ يُكتب الكتابُ من أجلهم عن قراءته ،وهم تحديدا أولائك الذين أدمنوا الإجابات الجاهزة عن الأسئلة المعتادة *، أولائك الكسالى، الذين يرون الجديد بدعة ، الكتاب ليس لهم .
يفهم بشكل ضمني من تنويه يوسف زيدان في بداية كتابه ، أنه لن يقدم لنا ، في محاولته المعرفية هذه ، ما درجنا على تلقيه فيما يخص الديانات الثلاث الإبراهيمية التي شكلت البيئة العربية . ورغم أن الكتاب ،كما يقول هو نفسه ،لا يدخل في علم مقارنة الأديان ، إلا أنه يقارن معطى العنف بينها ، والذي تولد نتيجة فهم خاص ، وغير موضوعي ، لما تحتويه من شرائع ، أو نتيجة التعامل الحرفي المقدس لما جاء في كتبها المقدسة .
لقد أفرد يوسف زيدان في الكتاب ثلاث نصوص من المتون الدينية الإبراهيمة الثلاث ،ففي بداية الكتاب نجد ؛كنتم خير أمة أخرجت للناس **،،وبعد الآية مباشرة نجد إصحاحا ،وهو ..وأما كل الذين قبلوه ،فأعطاهم سلطانا، أن يصيروا أولاد الله ...والكلمة صار جسدا ***،ثم بعد ذلك إصحاحا توراتيا .. قد ميزتكم من الشعوب لتكونوا لي ...****، إن الإشارة واضحة من خلال هذه النصوص إلى مركزية الشخصية الدينية في الديانات الثلاث ، فالأديان الثلاث تعتبر من يدينون بها هم أفضل الأقوام ، وهذا ما يؤشر إلى فكرة الإقصاء بعضها بعضا ، خصوصا لأولائك الذين يتناسون نصوص التجاور والتساكن .
بعد ذلك يتحدث يوسف زيدان عن مفهوم الإتصال بين الأديان ، هذه الفكرة التي سبق وأشار إليها المعتزلة ، رغم كل محاولات إظهار الاستقلالية عن بعض .
تفيد فكرة الإتصال الديني أن الديانة المسيحية خرجت من المتن اليهودي ، أو أنها لم تخرج عنه بالكامل .نفس الأمر يتحدث عنه يوسف زيدان فيما يخص التواصل مع باقي الأديان . يقول يسوف زيدان في الصفحتين 31و32: نسعى من خلال هذا الكتاب إلى رصد الوصلات العميقة بين اليهودية والمسيحية والإسلام ، والبنيات العامة الحاكمة ، والإرتباطات العميقة ذات الجذور التاريخية بين الدين والسياسة ، وبين التدين والعنف ، وبين التعصب والتخلف *. إن المقصود بفكرة الإتصال الديني ، لا يحصرها يوسف زيدان في أخذ اللاحق عن السابق ، كما يفهم من التسلسل التاريخي ، بل يضيف إليها أخذ السابق عن اللاحق ، وكمثال عن هذا ، فكرة القيامة ، ومسألة البعث اللتان لم تكونا مدرجتين في النصوص المبكرة في المتن اليهودي ، إي التوراة تحديدا ، بل استقاهما التلمود –المتناة والجمار – أهم ما يتشكل منها التلمود - من الديانة المسيحية ، وأيضا مثال الفرح بن الطيب ، والذي كان مسيحيا نسطوريا ، حيث جمع قواعد وتنظيمات الكنيسة في كتاب أعطاه إسم عربي إسلامي محض وهو *فقه النصوص *.
إن أمثلة أخذ الديانات عن بعضها بعضا يؤشر إلى جوهرها الواحد،كما يستنتج يوسف زيدان ، أما الإختلافات بها فهي إختلافات تفصيلية ناتجة عن تغير الظرف التاريخي والأوضاع الموضوعية المؤسسة لها .

لقد أشار يوسف زيدان أيضا إلى اللغة الحاوية للنص الديني ؛ العربية ، السريانية ، اليونانية ... إنه يشير إلى تعدد أسماء نفس الشخصيات الدينية ، التعدد طال الأسماء فقط ، ولم يطل الشخصيات نفسها ،مما يؤشرعلى إمتداد بين الديانات الثلاث الإبراهيمية ؛ فعيسى هو يسوع ، ويحيى إبن زكرياء هو يوحنا المعمدان ، ومريم العذراء هي المقدسية ...إن الإشارة هنا مركزة ، بحيث يفهم منها أن الإختلاف لغوي فقط بين المتون الدينية .
لقد جر كتاب اللاهوت العربي وأصول العنف الديني على يوسف زيدان غضب الكنيسة المرقسية ، أي غضب أقباط مصر ، أو الكنيسة اليعقوبية ، لأنه في اعتقادها كان يخدم أجندة إسلاموية واضحة ، في حين أن قراءة الكتاب تحيل إلى أنه كتاب لتحليل ظاهرة العنف الذي يولدها التعصب الديني بالنسبة للديانات الثلاث الإبراهيمة ، والتي يسقط عنها يوسف زيدان لفظ سماوية ، الذي لم يكن عند الأوائل ، إضافة إلى أنه يعتبر كل الديانات سماوية ، لأن مصطلح سماء هو ما يعلو ،حتى وإن كان سقف بيت ، والديانات تأمل في علو الإنسان عن أخطائه .
لقد قام يوسف زيدان ، قبل الحديث عن معطى العنف المتولد نتيجة التعصب، بعملية إعادة النظر في مفاهيم كثيرة ،من بينها مفهوم الديانات السماوية ، الذي وضحته سالفا ، ثم مفهوم الديانات الوثنية ، والتي يقر ، في هذا الصدد ، أن هناك خلط واضح بين الوثن والصنم ، وأن فهمنا للديانات الوثنية ملتبسة ،وغير صحيحة إطلاقا، لذا يستعين بلسان العرب لابن منظور ، وبمعاجم آخرى لبيان الفرق بين الوثن والصنم ، ولإظهار خطأ مفهوم الديانات الوثنية ... ليصل إلى مفهوم اللاهوت ، الذي يهمنا بشكل كبير ، هذا المفهوم السرياني ،والذي يقابل الناسوت ، حيت عرض يوسف زيدان لتطور المفهوم تاريخيا إلى أن أصبح يعني كل ما يتعلق بالإلهيات في الديانة المسيحية . لا يعتبر يوسف زيدان أن الحديث عن لا هوت عربي بدعة، فهو أمر قائم ،وله رجالاته ، الأمر فقط يتعلق بعدم استعمال كلمة لاهوت في الأوساط العربية بشكل كبير .
يظهر يسوف زيدان الهدف من كتابه بشكل أدق في الصفحة 48*لم أقصد بهذا لكتاب الغرق في المباحث الدينية (اللاهوتية /الكلامية) باعتبارها أنساقا نظرية وسجالات تهيم في عالم الأفكار المجردة، وإنما كانت غايتي من وراء ذلك فهم ترابط الدين بالسياسة وبالعنف الذي لم يخل منه تاريخنا الطويل ، اليهودي والمسيحي والإسلامي * تم يضيف في نفس الصفحة * وكانت غايتي إدراك الروابط الخفية بين المراحل التاريخية المسماة بالتاريخ اليهودي والتاريخي المسيحي والتاريخ الإسلامي* . إن يوسف زيدان يتحدث عن ظاهرة قائمة في زمننا الحالي ، وهي إمتداد لتاريخ طويل من التداخل ، والإندماج بين دائرة الدين ، ودائرة السياسة ، ودائرة العنف . الإندماج والتداخل هذا ، يبدو حتى عند البلدان التي فصلت في إختصاصات هذه الداوائر .
رغم أن قراءة يوسف زيدان تاريخية للعلاقة الجدلية بين الدين والسياسة والعنف في الديانات الإبراهيمية الثلات ، إلا أنه بشكل ضمني يشير إلى صعوبة الفصل بينهما في الزمن الراهن ، وما الدعوة إلى العلمانية ،كما يراها يوسف زيدان ، إلا تعسف خاطئ ، وفهم غير دقيق لترابطات الدوائر الثلاث .
في الصفحة 201 يتحدث زيدان عن مفهوم العلمانية ، الذي ظهر كما يقول في الديانة اليهودية أولا ،حيث كانت العلمانية صفة لليهودي غير المتدين ، والذي رغم عدم تدينه يظل يهوديا لأن والدته كانت يهودية ؛ هنا نفهم صرامة الديانة اليهودية في التدقيق في يهودية الأم ... يضيف يوسف زيدان أن العلمانية صارت تعني في المسيحية الإتجاه المعني بالعمل في العالم ، وليس بالإتجاه الذي يسعى لخدمة الكنيسة (الإكليروس) ، ليختم أن العلمانية مفهوم تطور تاريخيا ، وأصبح يعني عند المسلمين الإلحاد ،والكفر والزندقة ،والخروج عن الدين .
إن مفاهيم الإلحاد ،والكفر ، والزندقة ، والخروج عن الدين ، خصص لها يوسف زيدان فصلا عن الهرطقة ، فالهرطقة تعني كل هذا عند المسيحيين ، وهو فصل شيق يتحدث عن أحبار ، وقساوسة ، وكرادلة ، إتهموا بالهرطقة . والغاية من هذا الفصل هو إظهار كيف يتداخل الديني بالسياسي ، فالإتهامات بالهرطقة سببها كان خلافات سياسية غطت بخلافات دينية ، وبالضبط غطت بنقاش حاد حول صفات المسيح ،حيث كانت أغلب الإتهامات بالهرطقة تهم هذا النقاش تحديدا ،وهو نقاش يخص صفات المسيح ،خَصص له اللاهوت المسيحي إسم الكريستولوجيا .
ليبرر يوسف زيدان تداخل دوائر الدين ، بالسياسة ، بالعنف، يعطي شواهدا من تاريخ الديانات الثلاث . في هذا الصدد ،يتحدث عن السبي البابلي الذي هو حدث سياسي بالكامل ، والذي تحول عند اليهود، فيما بعد ، إلى فكرة دينية راسخة في العهد القديم ...ثم يضيف إنبثاق فكرة المخلص (الماسيا – الماشيح والتي تعني الممسوح بالزيت المبارك) ، عند اليهود المتأخرين كان سببه دافع سياسي محض ، فالفقر والعنف الممارس عليهم جعل اليهود يتعلقون بأمل المخلص .
إشارة جميلة من يوسف زيدان للترابط بين الدين والسياسي والعنف، فهو يُضَمن في كتابه مقطعا شعريا من قصيدة *مَديحُ الظل العالي* لمحمدود درويش ، قال أنه رآه يهم ويفيد موضوعه ، وهو بالفعل مقطع يشير إلى التداخل بين الدين والسياسة والعنف ، فهو يتحدث عن كيفية بلورة الفكرة السياسية للمعتقد الديني ، وكيف يؤديان إلى توليد حالة من العنف الموجه ضد الآخر المخالف .
يقول محمدود درويش في مديح الظل العالي :
يخرج الفاشي من جسد الضحية
يرتدي فصلا من التلمود :
اقتل كي تكون ...عشرين قرنا كان ينتظر الجنون
عشرين قرنا كان سفاحا معمم
عشرين قرنا كان يبكي ، أو كان يحشو بالدموع البندقية
عشرين قرنا كان يعلم أن البكاء سلاحه السري
والذري .
كتاب اللاهوت العربي وأصول العنف الديني ، وضع بشكل عام للمهتمين بالدين والسياسة ، هكذا يمكن الخروج بقراءات متعددة ومختلفة لكتاب يوسف زيدان ،الذي قال فيه هو نفسه ، أنه لن يقدم ولن يؤخر ...
------------------------------
تنويه يوسف زيدان في بداية الكتاب جاء على الشكل التالي :لم يوضع هذا الكتاب للقارئ الكسول ،ولا لأولائك الذين أدمنوا تلقي الإجابات الجاهزة،عن الأسئلة المعتادة .وهو في نهاية الأمر كتاب ، قد لا يقدم ولا يؤخر .
• **
سورة آل عمران الآية 110
• ***
إنجيل يوحنا
• ****
التورا