السبت، 8 يونيو 2013

اللاهوت العربي وأصول العنف الديني عند يوسف زيدان

الكاتب : سيومي خليل
اللاهوت العربي وأصول العنف الديني عند يوسف زيدان
------------------------------------------------
يدعو يوسف زيدان ، صاحب راوية عَزَازيل ، في كتابه اللاهوت العربي وأصول العنف الديني ، إلى ابتعاد من لمْ يُكتب الكتابُ من أجلهم عن قراءته ،وهم تحديدا أولائك الذين أدمنوا الإجابات الجاهزة عن الأسئلة المعتادة *، أولائك الكسالى، الذين يرون الجديد بدعة ، الكتاب ليس لهم .
يفهم بشكل ضمني من تنويه يوسف زيدان في بداية كتابه ، أنه لن يقدم لنا ، في محاولته المعرفية هذه ، ما درجنا على تلقيه فيما يخص الديانات الثلاث الإبراهيمية التي شكلت البيئة العربية . ورغم أن الكتاب ،كما يقول هو نفسه ،لا يدخل في علم مقارنة الأديان ، إلا أنه يقارن معطى العنف بينها ، والذي تولد نتيجة فهم خاص ، وغير موضوعي ، لما تحتويه من شرائع ، أو نتيجة التعامل الحرفي المقدس لما جاء في كتبها المقدسة .
لقد أفرد يوسف زيدان في الكتاب ثلاث نصوص من المتون الدينية الإبراهيمة الثلاث ،ففي بداية الكتاب نجد ؛كنتم خير أمة أخرجت للناس **،،وبعد الآية مباشرة نجد إصحاحا ،وهو ..وأما كل الذين قبلوه ،فأعطاهم سلطانا، أن يصيروا أولاد الله ...والكلمة صار جسدا ***،ثم بعد ذلك إصحاحا توراتيا .. قد ميزتكم من الشعوب لتكونوا لي ...****، إن الإشارة واضحة من خلال هذه النصوص إلى مركزية الشخصية الدينية في الديانات الثلاث ، فالأديان الثلاث تعتبر من يدينون بها هم أفضل الأقوام ، وهذا ما يؤشر إلى فكرة الإقصاء بعضها بعضا ، خصوصا لأولائك الذين يتناسون نصوص التجاور والتساكن .
بعد ذلك يتحدث يوسف زيدان عن مفهوم الإتصال بين الأديان ، هذه الفكرة التي سبق وأشار إليها المعتزلة ، رغم كل محاولات إظهار الاستقلالية عن بعض .
تفيد فكرة الإتصال الديني أن الديانة المسيحية خرجت من المتن اليهودي ، أو أنها لم تخرج عنه بالكامل .نفس الأمر يتحدث عنه يوسف زيدان فيما يخص التواصل مع باقي الأديان . يقول يسوف زيدان في الصفحتين 31و32: نسعى من خلال هذا الكتاب إلى رصد الوصلات العميقة بين اليهودية والمسيحية والإسلام ، والبنيات العامة الحاكمة ، والإرتباطات العميقة ذات الجذور التاريخية بين الدين والسياسة ، وبين التدين والعنف ، وبين التعصب والتخلف *. إن المقصود بفكرة الإتصال الديني ، لا يحصرها يوسف زيدان في أخذ اللاحق عن السابق ، كما يفهم من التسلسل التاريخي ، بل يضيف إليها أخذ السابق عن اللاحق ، وكمثال عن هذا ، فكرة القيامة ، ومسألة البعث اللتان لم تكونا مدرجتين في النصوص المبكرة في المتن اليهودي ، إي التوراة تحديدا ، بل استقاهما التلمود –المتناة والجمار – أهم ما يتشكل منها التلمود - من الديانة المسيحية ، وأيضا مثال الفرح بن الطيب ، والذي كان مسيحيا نسطوريا ، حيث جمع قواعد وتنظيمات الكنيسة في كتاب أعطاه إسم عربي إسلامي محض وهو *فقه النصوص *.
إن أمثلة أخذ الديانات عن بعضها بعضا يؤشر إلى جوهرها الواحد،كما يستنتج يوسف زيدان ، أما الإختلافات بها فهي إختلافات تفصيلية ناتجة عن تغير الظرف التاريخي والأوضاع الموضوعية المؤسسة لها .

لقد أشار يوسف زيدان أيضا إلى اللغة الحاوية للنص الديني ؛ العربية ، السريانية ، اليونانية ... إنه يشير إلى تعدد أسماء نفس الشخصيات الدينية ، التعدد طال الأسماء فقط ، ولم يطل الشخصيات نفسها ،مما يؤشرعلى إمتداد بين الديانات الثلاث الإبراهيمية ؛ فعيسى هو يسوع ، ويحيى إبن زكرياء هو يوحنا المعمدان ، ومريم العذراء هي المقدسية ...إن الإشارة هنا مركزة ، بحيث يفهم منها أن الإختلاف لغوي فقط بين المتون الدينية .
لقد جر كتاب اللاهوت العربي وأصول العنف الديني على يوسف زيدان غضب الكنيسة المرقسية ، أي غضب أقباط مصر ، أو الكنيسة اليعقوبية ، لأنه في اعتقادها كان يخدم أجندة إسلاموية واضحة ، في حين أن قراءة الكتاب تحيل إلى أنه كتاب لتحليل ظاهرة العنف الذي يولدها التعصب الديني بالنسبة للديانات الثلاث الإبراهيمة ، والتي يسقط عنها يوسف زيدان لفظ سماوية ، الذي لم يكن عند الأوائل ، إضافة إلى أنه يعتبر كل الديانات سماوية ، لأن مصطلح سماء هو ما يعلو ،حتى وإن كان سقف بيت ، والديانات تأمل في علو الإنسان عن أخطائه .
لقد قام يوسف زيدان ، قبل الحديث عن معطى العنف المتولد نتيجة التعصب، بعملية إعادة النظر في مفاهيم كثيرة ،من بينها مفهوم الديانات السماوية ، الذي وضحته سالفا ، ثم مفهوم الديانات الوثنية ، والتي يقر ، في هذا الصدد ، أن هناك خلط واضح بين الوثن والصنم ، وأن فهمنا للديانات الوثنية ملتبسة ،وغير صحيحة إطلاقا، لذا يستعين بلسان العرب لابن منظور ، وبمعاجم آخرى لبيان الفرق بين الوثن والصنم ، ولإظهار خطأ مفهوم الديانات الوثنية ... ليصل إلى مفهوم اللاهوت ، الذي يهمنا بشكل كبير ، هذا المفهوم السرياني ،والذي يقابل الناسوت ، حيت عرض يوسف زيدان لتطور المفهوم تاريخيا إلى أن أصبح يعني كل ما يتعلق بالإلهيات في الديانة المسيحية . لا يعتبر يوسف زيدان أن الحديث عن لا هوت عربي بدعة، فهو أمر قائم ،وله رجالاته ، الأمر فقط يتعلق بعدم استعمال كلمة لاهوت في الأوساط العربية بشكل كبير .
يظهر يسوف زيدان الهدف من كتابه بشكل أدق في الصفحة 48*لم أقصد بهذا لكتاب الغرق في المباحث الدينية (اللاهوتية /الكلامية) باعتبارها أنساقا نظرية وسجالات تهيم في عالم الأفكار المجردة، وإنما كانت غايتي من وراء ذلك فهم ترابط الدين بالسياسة وبالعنف الذي لم يخل منه تاريخنا الطويل ، اليهودي والمسيحي والإسلامي * تم يضيف في نفس الصفحة * وكانت غايتي إدراك الروابط الخفية بين المراحل التاريخية المسماة بالتاريخ اليهودي والتاريخي المسيحي والتاريخ الإسلامي* . إن يوسف زيدان يتحدث عن ظاهرة قائمة في زمننا الحالي ، وهي إمتداد لتاريخ طويل من التداخل ، والإندماج بين دائرة الدين ، ودائرة السياسة ، ودائرة العنف . الإندماج والتداخل هذا ، يبدو حتى عند البلدان التي فصلت في إختصاصات هذه الداوائر .
رغم أن قراءة يوسف زيدان تاريخية للعلاقة الجدلية بين الدين والسياسة والعنف في الديانات الإبراهيمية الثلات ، إلا أنه بشكل ضمني يشير إلى صعوبة الفصل بينهما في الزمن الراهن ، وما الدعوة إلى العلمانية ،كما يراها يوسف زيدان ، إلا تعسف خاطئ ، وفهم غير دقيق لترابطات الدوائر الثلاث .
في الصفحة 201 يتحدث زيدان عن مفهوم العلمانية ، الذي ظهر كما يقول في الديانة اليهودية أولا ،حيث كانت العلمانية صفة لليهودي غير المتدين ، والذي رغم عدم تدينه يظل يهوديا لأن والدته كانت يهودية ؛ هنا نفهم صرامة الديانة اليهودية في التدقيق في يهودية الأم ... يضيف يوسف زيدان أن العلمانية صارت تعني في المسيحية الإتجاه المعني بالعمل في العالم ، وليس بالإتجاه الذي يسعى لخدمة الكنيسة (الإكليروس) ، ليختم أن العلمانية مفهوم تطور تاريخيا ، وأصبح يعني عند المسلمين الإلحاد ،والكفر والزندقة ،والخروج عن الدين .
إن مفاهيم الإلحاد ،والكفر ، والزندقة ، والخروج عن الدين ، خصص لها يوسف زيدان فصلا عن الهرطقة ، فالهرطقة تعني كل هذا عند المسيحيين ، وهو فصل شيق يتحدث عن أحبار ، وقساوسة ، وكرادلة ، إتهموا بالهرطقة . والغاية من هذا الفصل هو إظهار كيف يتداخل الديني بالسياسي ، فالإتهامات بالهرطقة سببها كان خلافات سياسية غطت بخلافات دينية ، وبالضبط غطت بنقاش حاد حول صفات المسيح ،حيث كانت أغلب الإتهامات بالهرطقة تهم هذا النقاش تحديدا ،وهو نقاش يخص صفات المسيح ،خَصص له اللاهوت المسيحي إسم الكريستولوجيا .
ليبرر يوسف زيدان تداخل دوائر الدين ، بالسياسة ، بالعنف، يعطي شواهدا من تاريخ الديانات الثلاث . في هذا الصدد ،يتحدث عن السبي البابلي الذي هو حدث سياسي بالكامل ، والذي تحول عند اليهود، فيما بعد ، إلى فكرة دينية راسخة في العهد القديم ...ثم يضيف إنبثاق فكرة المخلص (الماسيا – الماشيح والتي تعني الممسوح بالزيت المبارك) ، عند اليهود المتأخرين كان سببه دافع سياسي محض ، فالفقر والعنف الممارس عليهم جعل اليهود يتعلقون بأمل المخلص .
إشارة جميلة من يوسف زيدان للترابط بين الدين والسياسي والعنف، فهو يُضَمن في كتابه مقطعا شعريا من قصيدة *مَديحُ الظل العالي* لمحمدود درويش ، قال أنه رآه يهم ويفيد موضوعه ، وهو بالفعل مقطع يشير إلى التداخل بين الدين والسياسة والعنف ، فهو يتحدث عن كيفية بلورة الفكرة السياسية للمعتقد الديني ، وكيف يؤديان إلى توليد حالة من العنف الموجه ضد الآخر المخالف .
يقول محمدود درويش في مديح الظل العالي :
يخرج الفاشي من جسد الضحية
يرتدي فصلا من التلمود :
اقتل كي تكون ...عشرين قرنا كان ينتظر الجنون
عشرين قرنا كان سفاحا معمم
عشرين قرنا كان يبكي ، أو كان يحشو بالدموع البندقية
عشرين قرنا كان يعلم أن البكاء سلاحه السري
والذري .
كتاب اللاهوت العربي وأصول العنف الديني ، وضع بشكل عام للمهتمين بالدين والسياسة ، هكذا يمكن الخروج بقراءات متعددة ومختلفة لكتاب يوسف زيدان ،الذي قال فيه هو نفسه ، أنه لن يقدم ولن يؤخر ...
------------------------------
تنويه يوسف زيدان في بداية الكتاب جاء على الشكل التالي :لم يوضع هذا الكتاب للقارئ الكسول ،ولا لأولائك الذين أدمنوا تلقي الإجابات الجاهزة،عن الأسئلة المعتادة .وهو في نهاية الأمر كتاب ، قد لا يقدم ولا يؤخر .
• **
سورة آل عمران الآية 110
• ***
إنجيل يوحنا
• ****
التورا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق