الأحد، 22 يونيو 2014

إخوان المغرب وانتخابات 2015

الكاتب : سيومي خليل 
إخوان المغرب وإنتخابات 2015
-----------------------

يبدو أنه تم التخلي نهائيا عن كل ما يمكنه عقلنة الممارسة السياسية في البلد ، واللحظة التي كنا على يقين فيها بفعل العقلنة هذا كانت هي نفس لحظة النقاش السياسي الذي ولد عقب احتجاجات الشارع ،وحركة 20فبراير ، وكان هو لحظة نقاش الوثيقة الدستورية لسنة 2011، فالإعلام المنغلق إنفتح بشكل ملفت على الفرقاء الساسيين ، ولم تكن هناك نوايا لمنع الخطابات المعارضة للخطاب الرسمي ،والشباب كانت تبدو عليهم ملامح الفهم والوعي السياسي ... لكن الأمر كان أشبه بملاحقة زهور عباد الشمس لشمس الصباح الزاهية ،لكن حين غابت الشمس ليلا عادت الغربان للحقل والبيدر بنعيقها وضجيجها .

عاد مفهوم العطب السياسي ليحتل المشهد السياسي ، وأخذت الزوايا السياسية دور الأحزاب السياسية ،ومثلت زاوية العدالة والتنمية الشريفة رأس هذا العطب ،حيث قامت بتسويق شطحات سياسية قتلت عقلنة السياسة ، فبتنا على يقين أن الكاميرا السياسية عادت إلى ما قبل لقطة احتجاجات الشارع ،وبتنا على يقين أن الحزب الحاكم ليست له النوايا الصادقة في أخذ ما أعطي له من طرف الوثيقة الدستورية ، رغم أن عطاء الوثيقة الدستورية قليل ولم يرق إلى المأمول .

اعتبر أن نسخة الحكومة الثانية هي إعلان الرجوع إلى ما قبل احتجاجت عشرين فبراير ، فلقد أعلنت تشكيلتها تحد صارخ لآمال المغاربة ، أظهرت حزب البيجيدي بلا حول وبلا قوة ،حين قدم نفسه خادما مطيعا*مشرط لحناك* لمفهوم الحكومة ولبقائها ولو على الخرائب ، حتى وإن اضطر للتحالف مع بقايا إئتلاف وتجمع جي ثمانية الذي أقيم قبل الإنتخابات خصيصا لشيطنة حزب العدالة والتنمية ،وحتى وإن كانت محصلة وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار ووزراء التكنوقراط التي تخدم حكومة الظل أكثر من محصلة وزراء البيجدي ؛ لذا فلا معنى لمفهوم الحزب الحاكم أو الأغلبية في النسخة الثانية من الحكومة .

سؤال ماذا قدم الحزب الإسلاموي للمغرب ، يجيب عنه بنكيران دائما بنبرة الواثق ؛ لقد أخرجنا البلد من المتاهة .. لكن في نفس الوقت يضيف مهددا أنه من الممكن العودة لدهاليز المتاهة إذا ما تم مس الحزب بما لا يعجب صقوره . تظهر براغماتية الحزب دون مجهود للكشف عنها ، فمنذ توليه الحكم بدأ بدق مساميره الحادة و الخاصة في الكثير من الإدارات والقطاعات الحيوية ، وبدأ بتغيير الكثير من لقطات المشهد السياسي في البلد لصالحه ، فهو سيراهن في الإنتخابات المقبلة لسنة 2015 على هذا التغييرات التي يقوم بها على قدم وساق ،ولن يراهن بكل تأكيد على تعاطف الشعب معه ولا على نبرة المعارضة التي أجادها دائما ، فالشعب رأى سقوط أوراق التوت عن عورة الحزب،ونبرة المعارضة لن تناسب الحزب الحاكم .

سيتقلص حزب البيجيدي ،وسيعلن ولاءه في الإنتخابات المقبلة المزمع إقامتها سنة 2015 لمنطق اللعب السياسي ،وليس لمنطق العقلانية السياسية ،وسيعلن ولاءه لما قام بتغييره من قطع الشطرنج في الرقعة السياسية ،وهذا ما حذا بحزبين إثنين في المعارضة ،وهما الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية والإستقلال ،إلى التحذير من التزوير الممكن أن تشهده الإنتخابات المقبلة ، بل نبها إلى أنه من الممكن لهما الإنسحاب من الإنتخابات إذا شكا أقل شك في عدم نزاهتها .

أما التزوير فهو دائم الإقامة ، لم يغير يوما محل السكن ،كل ما قام بتغييره هو صباغة محل السكن ، وبعض أثاثه كي يظهر بشكل آخر يصعب التحقق منه ؛ أليس قبول حكومة لم يصوت عليها إلا أقل من نسبة 30في المائة هو تزوير فاضح لرغبات الفئات التي لم تشارك في المهزلة؟؟؟ .

الخطوة الأولى لرهان حزب البيجيدي على انتخابات 2015 بدأت بتجاوزه لوزارة الداخلية الوصية على الإنتخابات ،وهذا التجاوز هو حق يراد به باطل ، فدائما ما كانت هناك دعوة لتخلي وزارة الداخلية عن الإنتخابات ، لما قامت به في جل الإنتخابات من تغيير للخرائط الإنتخابية ، لكن ما قام به البيجيدي لا يهدف لإيقاف فعل اللعب بالخرائط الإنتخابية ، بل يهدف إلى تعميقها لصالحه هو ، فالحزب لا يأمن وزارة الداخلية ،والذي يؤمن إيمان شخص مريض بالبارانوايا بأن الوزارة ستحيك ضده المؤامرات الخطيرة كما في السابق ، ولولا حركة عشرين فبراير لما تنازلت الداخلية عن حصارها للحزب ؛ هكذا يعتقد الصقور داخل الحزب ...

في مقابل كل هذا ، ما سمي بالجهوية الموسعة يبقى في خبر كان ، فما دام الحديث جار عن انتخابات مقبلة دون الحديث عن مآلات الجهوية ، فهذا يعني أن الجهوية في الرف على الأقل في هذه الأثناء ؛ فما الذي فعلته حكومة الإخوان المغاربة في هذا الباب ؟؟

أتوفع أن الحكومة ستكون معطلة نسبيا كلما اقترب موعد إنتخابات 2015، والموعد بالزمن السياسي اقترب بشكل كبير ، فلقد علمنا التاريخ أن جل الحكومات كانت تفتر همتها الفاترة أصلا كلما اقتربت الإنتخابات ، لأن الأحزاب المشكلة للأغلبية تهتم باستشراف مواقعها في رقعة الغد ،وتبدأ في منح كل وقتها للتعبئة الإنتخابية ، بل تستغل مواقعها الوزارية والقطاعية لكي تخدم أجندتها الخاصة ، أما ما يمكن أن يهم معيش المغاربة ،وحرياتهم، وأوضاعهم الإجتماعية ، فلينتظر قليلا *لا زربة على صلاح *.

لا أظن أن الاحزاب الإدارية ، في حال كانت على رأس الحكومة ، كانت ستخدم الفساد مثلما خدمه حزب العدالة والتنمية الذي يدعي أنه حزب غير إداري، وأنه حزب خرج من رحم الشعب . لنتذكر في هذا الصدد عفا الله عما سلف التي قيلت من موقع ضعف ،ولم تكن من موقع قوة ،أو من موقع* اللي غلب اعف* ، فلو حقق الحزب ضربات قوية لبعض ،ولس لكل، بؤر الفساد ، لغفرنا له هذا الصفع الذي كانت ستكون له هالة العزة في هذه الحالة ، أما في الحالة التي قيل فيها فهو لس إلا خضوع لمنطق الفساد الذي انسجم معه الحزب .

النفي المنهجي

النفي المنهجي أو عدمية نيتشه 
الكاتب : سيومي خليل 
--------------------------
يتحدث الفيلسوف الوجودي والكاتب المسرحي الفرنسي-الجزائري ألبير كامو عن الفيسلوف فريدريك نيتشه بحب وعمق كبيرين .

يقول ألبير كامو :مع نيتشه تغدو العدمية نبوية،وفيه تصير لأول مرة واعية، وقد تفحصها وكأنها واقعة سريرية،وقد شخص في نفسه ولدى الآخرين عجزاً عن الاعتقاد وزوال الأساس الأول لكل إيمان، أي الاعتقاد بالحياة. وبدلاً من الشك المنهجي، مارس النفي المنهجي والتدمير النظامي لكل ما يحجب العدمية عن نفسها.(معجم الفلاسفة، جورج طرابيشي؛ مادة:نيتشه، دار الطليعة, بيروت - لبنان، الطبعة الثالثة، يوليو 2006 م. ص 680.)

ثم أضاف ألبير كامو بافتتان واضح : ومن يشاء أن يكون خالقاً، سواء أفي الخير أم في الشر، فعليه أولاً أن يكون هداماً وأن يحطم القيم.( نفس المرجع )

ارتبطت العدمية باللاأخلاقية ، في حين أنها لا تعني من أي جهة كانت الأخلاق أو اللاأخلاق . لقد كان نيتشه ،تسبقه دوما تهمة اللاأخلاقية كسنام على متن فكره ،وهو الفيلسوف الأخلاقي الملتزم ،والعدمي الفكري وليس الأخلاقي ؛ إذن كيف أُسقط العلم من رأس الجبل إلى انبطاح السهل ؟؟.

المؤلف الشيق *هكذا تحدث زرادشت* إنجيل نيتشه المقدس والخاص جدا ،وهو نقيض أي تصور عدمي للوجود ، أو لأي تصور لا أخلاقي ، إنه كتاب صوفي - إرادي - يتحدث فيه عما يجب أن يكونه الإنسان ،وعما يجب أن يتصف به كي يملك نفسه والوجود من حوله . أنه يكره أخلاق بعينها ،تلك التي تعلم المسكنة والتلاين ، أخلاق المسيح بكل تجلياته هي أخلاق كائن ضعيف ، والمسيحيون جميعا مجدوا الضعف وأخلاقهم عبيدية ؛ هكذا يعلن نيتشه ...لذا لم يكن من المفروض عليه أن يشك كما فعل الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت في شيء ، بل أن يهدم كل القيم التي بنيت على تصور استكاني للوجود والإنسان والطبيعة .

النفي المنهجي ؛ هذا ما تلقفه الفيلسوف صاحب روايتي الغريب والسقطة ألبير كامو من منهج فريدريك نيتشه، ومن قراءاته لهذا الكائن المتوحد الصارم . النفي يعني الإزالة بعد الهدم . الأساس في طريقة تفكير العبثي كما عند نيتشه ليس عدم قبوله العالم كما هو ، بل هدم منظومته الفكرية غير الصالحة للإنسان ، وإقامة على أنقاض هذا الخراب تصور يمجد الإنسان وتفوقه . بهذا المعنى يصير العبثي فرد فاعل في المجتمع ، حركي ، ينتمي إلى الناس وليس فوقهم ، لكنه يأخذ مطرقته كي يعلن بدأ هدم التصورات الفارغة التي يسقطون فيها،ويعيشون بها / وفيها / ومنها . إن العبثي لا يتحدد بسلوكاته أولا ، إنما ثانيا ، بل هو عبثي أولا لأنه ينظر إلى العلاقات القائمة بين الناس على أساس ضعف / وإستعباد أخلاقي ؛ وهذا ما رفضه نيتشه رفضا قاطعا .

لقد لخص كارل ياسبرز فلسفة نيتشه في جبة *جلباب * أُشبهها هنا بجبة الحلاج الشهيرة والتي صلب نتيجة سوء فهمها .

لقد قال الفيلسوف الاألماني- الأكاديمي والمدرسي كارل ياسبرز في حق نيتشه :من الممكن أن نجد لدى نيتشه بصدد كل حكم نقيضه، فلكأن له في الأشياء طراً رأيين،وقد أمكن لمعظم الأطراف أن تختبئ خلف سلطته: الملحدون والمؤمنون، المحافظون والثوريون، الاشتراكيون والفرديون، العلماء المنهجيون والحالمون، السياسيون واللاسياسيون، أحرار الفكر والمتعصبون.( نفس المرجع السابق )

هكذا استطاعت العبثية غير المفهومة جيدا من طرف أغلب قراء نيتشه أن تجعلهم يعتقدون أنه يتحدث عنهم بالضبط ،ويحكي بلغة شيقة أحلامهم هم لا غيرهم ،ويتحدث بلسانهم الخاص الذي عجز أن يعبر عن رغبتهم في النفي المنهجي ،كلهم كانوا يرغبون في هدم الواقع المزري الذي يعيشونه ،وكلهم رغبوا بعد الهدم في بناء منظومة فكرية مغايرة ؛ ألم يقرأ الملحد والمؤمن نفس فكر نيتشه نفسه ،الفردي والجماعي ، الماركسي والرأسمالي ...؟؟؟

ما يجذب في فكر نيتشه كالمغناطيس ليست الروعة ، فلا شيء رائع في نيتشه نفسه ،والروعة من المفاهيم غير المجدية في الفكر . يتمثل مغناطيس فكر نيتشه في الجدة والغرابة ؛طريقة تفكير تقلب الوجود رأسا على عقب ،وبدل قبوله كماهو ، يجب قبوله كما ليس هو ، أي يجب نفي كل الترهات التي تؤثث فضاءاته ، وليس رفضه ، فالعبثي هنا لا يرفض إنما ينفي ويهدم ، إنه يحتضن الوجود بذراعيه هو لا بأدرعة السلف...

ربما تعلم نيتشه النفي المنهجي من قراءته لكتب التاريخ ، فكونه فيلولوجي جعله يتعامل مع الكتب كما هي ،وبدون ترجمات ،والفيلولوجيا كما نعلم هي نوع من الدراسة التاريخية اللغوية لكتب التاريخ في سياقها التاريخي الصحيح دون ترجمة . الدقة هذا ما يفرضه الفيلولوجي على نفسه ،والتركيز المتناهي على دراسة الكتب كان بوابة للتدقيق في كل المنظومات الفكرية والفلسفية والأخلاقية السابقة على نيتشه ، هذا ما جعله ينتبه أكثر من غيره للكثير من التناقضات والأخطاء التي تحملها تلك المذاهب .

النافي المنهجي / العدمي ليس من حقه أن يؤسس مذهبا ، لكن الغريب أن نيتشه الذي مجد الفردانية حد الوله ،والذي يقول في أحد شذراته الكثيرة* أيها الإنسان في الأخير ليس لك إلا نفسك * تدخل في عباءته مذاهب كثيرة ،متناقضة ، ومتحاربة مع بعضها بعضا ،وهذا مرده عمف فلسفته ،وإلى الأفق البعيد لأفكاره المجنونة ؛ نعم إنها مجنونة بمعنى ما لأن العقل ليس هو مصدرها ، ألم يعتبر جورج لوكاش نيتشه مؤسس اللاعقلانية، حيث يقول في حقه :نيتشه مؤسس اللاعقلانية في المرحلة الإمبريالية. وربما كان، في تحليله السيكولوجي للحضارة وأفكاره الجمالية والأخلاقية، الممثل الأكثر موهبة والأغنى بالتلاوين لوعي المشكلة المركزية والظاهرة الأساسية لتاريخ بورجوازية عصره الذي وسم بالإنحطاط *. نتشه محارب الأنحطاط واخلاق العبيد .( نفس المرجع )

فرض انحطاط زمن نيتشه على نيتشه تغيير نظارتيه . نبتشه ضعيف البصر ،نظراته كانت حادة وحزينة لدرجة أن سالومي حبيبته رفضته لبشاعتهما. تغيير أفق النظر ،حول فلسفة نيتشه من مولعة بفلسفات سابقة وفلاسفة آخرين ،إلى آلة هدم ونفي ، فلا شيء يستحق التعايش معه مادامت توجد في فساد أخلاقي وفكري وجمالي كبير .

كل من يسعون إلى نفي القائم أمامهم لأنه لا يناسب تصورهم للإنسان وللدور الذي يجب أن يقوم به يكون لهم مآلات مرعبة ،مرعبة حد الخوف من تبني أفكارهم ،وحد الإبتعاد عنهم كأن بهم طاعون معدي وأكثر .هكذا يجن نيتشه ، يعزل ، يدخل مشافي المجانين ، يثور ضد حصان ،يتوحد ؛كأن الوجود الذي عراه يريد الإنتقام من عمق فكره .

الحب الذي احتفظ به التاريخ لنيتشه يقابله أيضا كره شديد من الكثيرين ،وهو كره في عمقه حسد لا غير ، فقلة قليلة كبطل كتابه زرادشت من تجرأ على تحمل سفالة الوجود و حمل هم محاولة هدم هذه السفالة واستبدالها بفكر آخر ، لقد جن العبقري لأن العباقرة هم في الأصل مجانين الوجود الذين يصلحونه ، والذين يتجرؤن على اظهار كل عيوبه دون أن يخشون اتهام أحد لهم بالمروق ؛ عن أي شيء نمرق في هذا الوجود ؟؟؟.ربما هكذا فكر نيتشه .

يخبر برتراند راسل الفيلسوف البريطاني الكثير عن نيتشه ، لكنه ركز على أنه عدو المسيحية بدرجة أولى ، فالمسيحية نفت أخلاق الأقوياء واستبدلتها بأخلاق الضعفاء ،منكرة لقيمة الكبيراء والإختلاف والمسؤولية العظمى والنزعة الحيوانية الرائعة وغرائز الحرب وتأليه العاطفة والثأر والغضب والشهوانية والمغامرة والمعرفة، وكلها عناصر خير تقول عنها المسيحية إنها شر* (نفس المرج السابق ).

ما المعمل اتجاه أخلاق مثل هذه ؟؟؟ ألا يجب اتباع النفي المنهجي ، والهدم إزاءها ، ولا بأس إن كان سيكون مصير الهادمين والنافين هو الجنون أو الإعتقال أو القتل ، فلا بد للعالم لأشخاص يصححون أخطاءه . المسيحية مظهر ديني كأديان ومعتقدات كثيرة فشلت على منح تصور صحيح للإنسان وللوجود .