الجمعة، 19 أكتوبر 2012

الفقهاء الفقعاء


الفقهاء الفقعاء
الكاتب :سيومي خليل
الآلية النفسية التي تعمل بشكل واضح عند مدعي التدين ، تجعلهم بشكل لا شعوري يزكون أنفسهم ، ويبررون خرجاتهم الفتوية الغريبة ، وهي آلية تمزج بين إحساسهم الشديد بطهرانيتهم ، وإحساسهم المقابل ، والمفرط ، بلا ط
هرانية الآخر .

إشتغلت مع أحد المنسوبين إلى التدين ، أو هكذا يظهر مظهره ، إضافة إلى إنتمائه إلى حركة سياسة تتشرنق بالدين ، وهي معروفة ؛ لقد كنت ، وأنا الذي لا أدعي التدين ، ومزجت كغيري عملا صالحا بآخر طالح ،مع إيماني العميق بعمق الدين ،وهدفه ...قلت ؛لقد كنت أبادره بالسلام أولا ،وهو لم يبادرني به يوما أولا ، وكنت لا أسحب،بعد السلام ، يدي عن يده، إلا بعد أن يسحبها هو ، وكنت أسأله عن حاله ، وعن أحول عائلته ،وهو لا يسألني شيئا من هذا أبدا ، وكنت أخلق معه جوا من المزاح ، لإزاحة جبل الجليد الذي أقامه هو بيننا ، وهو ينظرني بإستعلاء دائما ... فمن هو المتدين ؟؟؟.

ورغم أني لم أفكر في الدخول معه في نقاش قناعاته ، أو في نقاش قناعاتي، ولم أدخل معه في هذا النقاش ، فأنا لا أرى هدفا من نقاش الطرشان هذا ، إلا أنه كتب خلاصة بالبنط العريض ، وزينها بإطار ذهبي خالص ، ولا أعرف تحديدا من أين إستنتجها، وما هي المقدمات التي بنى عليها إستناجه ، لقد خلص ؛إني شخص فاسق لا دين ولا ملة لي ... هكذا وبدون أي سبب واضح مني يزكي هذا الخلاصة .

حين سمعت هذا التعليق ، إبتسمت ، وتذكرت آي القرآن الكريم * لما تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون *، وتذكرت حال فقهائنا ،والذين يشبهون الفقاقيع ،ما إن تلامسها حتى تتلاشى نهائيا .

ربطت هذه الذكرى بما وقع للباحث في حركات الإسلام السياسية سعيد بلكحل ، فالحقاوي، وزيرة التضامن والأسرة -عن أي تضامن تستوزر- أظهرت زلتها اللاشعورية عن تصور عام لرؤية محتكري الإسلام لغيرهم ممن لا يتوفرون على بطائق عضوية هذه الحركات ... إنها ، بالفعل ، أزمة فهم ، وأزمة تصور جد خطيرة على المجتمع .
رغم أن جل الأحاديث النبوية ، ومعاني القرآن ، تمنع الدخول في أمر البحث في معتقدات الآخرين ، إلا أن رافعي لواء تزييف العقل ، وحجبه تماما ، يصرون على هذا الأمر ، ربما لأنه أسهل طريق للإدانة ، فكلمات ؛كافر ،ملحد ، غير متدين ...تجد طريقا لخلق الإثارة بشكل سلبي ،حتى وإن كانت محض إفتراء ، إنها نوع من الشعبوية الدينية ، لا أعرف إن كان هذا الإسم تم إستعماله من قبل أو لا ، لكني أعرف أن تصفية الحساب بين الأشخاص باتت تستعمل هذا النوع من الإدانة .

أصبح إدعاء التدين أسهل من إرتداء فردتي الحذاء ، وأصبح الحديث في معتقدات الناس حديث مقاهي ،وعبارة عن *تقرقيب الناب* ، والذين يخوضون في مثل هذا الحديث، يعلنون أنفسهم فقهاء ، لأنهم قرؤا كتابا رديئا في أصول الفقه ، ولأنهم أقاموا على عجل الصلوات ، ولأنهم آخرين مخالفين لنا نحن الذين نترك دين الناس للناس ...لقد اصبحنا في وسط جموع من الفقهاء الفقعاء ،كما يصفهم خالص الجلبي ، نجدهم في السياسة ، ونجدهم في هرم التسيير ، وفي الشوارع ... إينما نولي وجوهنا فتم من يتحدث في معتقدات الناس ، ويفتي في أمورهم

حكومة يخفي وزراؤها إقصاء الآخر


لنضع زلات اللسان ، والأخطاء غيرالمقصودة ، والتصريحات غير المحسوبة لوزراء الحكومة  الإئتلافية ،الحكومة غربية  التشكيلة  ، والتي يهيمن عليها  وزراء حزب سياسي  إسلامي ،حزب ملأ الدنيا وشغل الناس باللاشيء ... لنضع هذه التصريحات  اللامسؤولة  في ميزان المسؤولية ،كي يتبين لنا  تهافت الخطاب  ،المبنية عليه هذه التصريحات ، وكي يتبين لنا الإرتجالية ، الموحية  بأنا نسير  بدون المؤسسة التنفيذية  ، وليتبين لنا أن محاسبة هذه المؤسسة  ،المنفذة للقوانين والمشاريع  ،من طرف البرلمان ، لا تترك في النهاية  إلا جعجعة من غير طحين ...كما قالت العرب .
كان آخر الإنفلاتات  الفانتازية  ، والدرامية ،هو موقف  الرميد ،وزير العدل والحريات الفردية ،والذي لم يكن حرا  ، ولم يعلن  عن تيمة التسامح  والحوار، والتي هي أساس العدل  والحرية ، ولم يقبل الإنتقاد ...
لقد رأيت  رد فعل الرميد  على إنتقاد الراضي له  ، ورأيت كيف تحول  ، في لحظة لا شعورية ، إلى مواطن  يشتغل في *الرحبة * ، بدل كونه مسؤول يقف  في  مجلس النواب ، وبين نواب الأمة ... لماذا هذه الهستيريا سيد الرميد  ضد الجميع ؟؟؟ هنا ، يجب الإشارة  ، إلى مدى إحساس الملتحين  ، بفكر المؤامرة الدائم ، فكل من يسألهم ما فعلوا ، وما قدموا  ، هو متآمر ضمنا  على برنامجهم الإصلاحي ، يتم تحريكه من طرف  أيادي التماسيح والعفاريت ، التي نريد جمعيا معرفتها ، لمحاربتها .
 لقد كان الرميد جريئا لحظة إستوزاره في قضايا مهمة ،لكن مابقي من الجرأة  هو الصراخ فقط، وليس بالصراخ  تناقش قضايا  الناس ،الحري بالرميد كان  الإنصات، وتقديم الأجوبة  عن الأسئلة المطروحة ، وليترك للآخربن، غير المسؤولين  ، مهمة الصراخ والتعنت ، لأن لا أحد سيحاسبهم .
أما وزير الأسرة والتضامن ، فزلة لسانها ، توصف ما تفكر فيه  كل حركات الإسلام  السياسي ،وتفسر رؤية هذه الحركات  للآخر غير المنتمي لأحدها ، وللآخر  العلماني الكافر بها ، وللاديني  المتسربل برؤيته الخاصة للحياة ... إنها زلة لاشعورية  بإمتياز، تظهر تصنيف  هذه القوى السياسية  اللاهوتي  ، المعتمد على فئة المتدينين وعلى فئة غير المتديين، وتبرز، بشكل واضح ، فكر التضييق  الذي ينهلون منه .
 لقد إعتبرت  الوزيرة السيدة الحقاوي  ، عبارتها للباحث سعيد الكحل * أنت غير متدين * زلة لسان ،بالضبط إنها زلة لسان  لاشعورية، تظهر دلات كثيرة أكثر مما لو كانت  عبارة عادية   وواعية  ، فلأنها زلة غير واعية  حملت معها  تراكما معرفيا  عن الآخر  ، الآخر الذي لا يؤمن  كإيمان  هذه الحركات الإسلاموية ، وهي تبرز أن الأمر ليس إختلافا  سياسيا ،كما ننظر إليه  نحن ، بل الأمر أكثر  من ذلك ،إنه خلاف ديني  وعقدي  ،كما يفهمونه  هم ... فأي حكومة يخفي  وزراءها  هذا الإقصاء  للآخر 

لم يتبق فينا من الله شيء


لم يتبق من الله فينا شيء
بقلم سيومي خليل
----------------------------------
الميل الى التدين الشديد ، لا أراه ،إلا إبتعادا عن الله ،فمحاوز هذا التدين، لا تخرج ، عن المظهرية والطقوسية .

لقد وجدنا شيئا نخبئ وراءه مخاوفنا، وذنوبنا 
الصعيرة ، وأسئلتنا الوجودية المحرجة . بات يكفي إسدال اللحية ، وإرثداء ثوب هجين ،والحديث بالقرآن وقول النبي ، وبعض من المسك على الجسد ، حتى نزكي أنفسنا عند الله .

من عرفتهم ،ممن يوهم مظهرهم بالتدين ،ما كانوا عرافين بالله ، ولامقاربين لفهم الوجود ، أقصى البوح عندهم مجرد طقس لا يفصل في الدين ، ومجرد عبارات تخفي وراءها عدم الفهم ،لكن إسرارهم شديد بطهرانيتهم ، فهم ليسوا كالآخرين حليقي الذقن ، وليسوا كالآخرين ذوي شعر الرأس الكثيف ،وليسوا كالآخرين لابسي الجينز والقبعات ... إنهم جنس آخر ، فهموا الدين كما أرادوا ، وصبغوه بلاشعورهم ، وخبؤا فيه شكهم، وغلقوا باب السؤال ، وارتكنوا إلى أخيلتهم السيكوباتبة .

أسائلهم ؛ ماذا تبقى من الله فيكم حين تقصرون رحمته على فئة -هي فئتكم - دون آخرى ؟؟؟؟.

ما يرهق الفكر هو سماع هؤلاء يصنفون الناس، ويبصمون بالكفر والإيمان الأفراد ، يجتمعون حول بعض ،ويبدأون مجلس إفتاء مصغر ... إن تسألهم أي الكتب قرأتم ؟؟؟ كيف تبررون هذا وتضحدون ذاك ؟؟؟ يلفون لفا عجيبا حول موضوعهم الأثير ؛ الكفر والإيمان ... كحل لمن لا حل له .

حدث أن لم يعجب شطر أحد أبيات الشعر ، التي قالها شاعر المعرة- التي تتعرض لقصف النظام السوري - ، أبو العلاء المعري ،كثير من رجال الدين، فأغاروا عليه ، أكثر مما أغار عليه القدر ،لكن التاريخ نساهم ، ولم ينس الشاعر ولا شطر بيته الشهير .

والشطر البيت هو هذا ؛ ونسك رجال من ضعف الهمم ...

أليست العبارة صححية ؟؟؟.

لتعرف صحة العبارة خذ في أصحاب الدين المظهري وحلل وناقش ، سجد من فقهره سبب إيمانه المظهري ، ستجد من خوفه من إفتضاح عيبه -وجل من لا عيوب له - سبب نسكه ، ستجد من لا يعرف آي القرآن وينصح الناس بالقرآن ، ستجد من يلعن الزمن الفاسق هذا ويرسم خياله صورة إمرأة عارية لعوب ،ستجد الذي يسب الغرب الكافر ويبحث في الشات عن عجوز *كافرة* لتنقذه ،ستجد من عنده الآخر مشروع كافر ويحسده هذا الآخر على نعمه ..

لهذا أتساءل؛ أين هو الله من كل هذا ؟؟ أين هي الحيرة التي تجعلنا لا نعرف ولا نملك الحقيقة ؟؟؟ أين هو التجاور الإنساني الذي يجعلنا رعابا في مملكة الله ؟؟؟.

لم يببق فينا من الله شيء ، لقد عوضناه بالتعصب ؛ فالإلاه إلاهنا نحن ، وليس إلاههم هم ،سيرحمنا نحن ، ولن يرحمهم هم ،هو معي أنا ، أكثر مما هو مع جاري ...

أيها المتعصبون الله ليس ملكية خاصة .

ايها المتعصبون إننا لسنا في أعراس نقدم مظهرنا قربانا للرب .

هناك شيء عميق ،إسمه الروح، لا ينخدع بمقالبكم الصغيرة .

دفاعا عن مدرسي الفلسفة


دفاعا عن مدرسي الفلسفة
الكاتب :سيومي خليل
---------------------------
ماشهدته الفلسفة من تضييق ، يعود ، بدرجة أولى ، إلى طبيعتها غبر الثابتة ، وهي طبيعة تتناقض مع جوهر فكرة التقديس الثابتة ، وارتباطها بالعقل ، زاد العداء لها ، خصوصا 
، أن الخصوم ،غالبا، ما ينتهجون سبلا لا عقلانية لمواجهتها ، سبل تعتمد على نوع من الخطابات الزائفة ، وتعتمد على وقائع محورة، مليئة بلغة الحماسة ، والمعتمدة على حقيقة يتم إمتلاكها بالحديد والنار .

إن لا إرغامية الفلسفة ، جعلها ظاهريا في محل ضعف دائم ، أمام إرغامية طبائع فكرية آخرى ، نجملها في عبارة واحدة ؛فكر الخضوع والإيمان بحقيقة سرمدية واحدة .

المواجهة ، كانت تتم بين خطين متعاكسين ،خطان لا رابط بينهما ،ولا هدف مشترك يرجوانه ؛ خط تصاعدي ، يضع الأمام مبررا لمنهجه ، لا يرتبط بلحظة ماضوية مقدسة ، بل القداسة في الأصل هي للآليات العقيلة ، التي تسهم في فهم العالم الخارجي ، وتساعد على القيام بتحليله ، فهم يساعد على الخروج من دوائر الثبات ، ويعمل على تجاوز التصلب عند لحظات تاريخية معينة ... ثم يأتي خط ينحو جهة الوزراء ، خط ماضوي ،لا يراكم الإنتاجات المعرفية ، بل يجعلها ثابتة غير متغيرة ، والخروج عن هذه الثوابت ، هو خروج عن المقدس ذاته .

لا أريد ان أسقط ، في هذا المقال ، في التنميطات المفاهيمية ، المستعملة في الإعلام العمومي ، ولا أريد أن أستعين بأحكام القيمة ، وإن كان لها ما يبررها ، خصوصا ،أننا نتحدث عن حدث له طابع يجمع صراع العقل والجهل ؛ فما وقع لأستاذ مادة الفلسفة ، المشتغل بثانوية مولاي علي الشريف ، بمدينة الريش ، ومحاكاة فعل النحر ، بعد القيام بإشباعه ضربا وركلا ،من طرف مجموعة من المتطرفين... قلت ما وقع ، هو توضيح لصورة مشتركة ، يحملها كل مدعي إمتلاك الحقيقة ، والذين يخفون هواجسهم المرضية وراء فهم ضيق وممسوخ للدين ... هؤلاء ، إن إمتلكوا شيئا ما ، فهم لم يمتلكوا إلا نقيض العقل ، لم يمتلكوا إلا فوائض الجهل .

العنف ليس إلا محاولة ساذجة لإرغام العقل على الموت ،محاولة ساذجة إلى درجة أن التاريخ يستهزئ بمن يمارسون هذه المحاولة ، فالتاريخ لم يحفظ أسماء قتلة فرج فودة إلا على سبيل الإدانة ، لكنه حفظ إسم القتيل كأيقونة فكرية ،أسهمت في الدفاع عن نور العقل ، وما يفعله التاريخ من إقصاء للفكر الأحادي ،فكر مدعي إمتلاك الحقيقة ،هو دليل على تصاعديته التي لا تأبه لكل الصغار ، والذين في لحظة زهو يخالون أنفسهم كبارا ، فهم ، وفي تعبير دقيق ، لا يحاكون الا إنتفاخ ديكة القمار والرهان حين تتصارع .

إننا نعلم علم اليقين ، أن النسق العام للمجتمع ، لا يضع الفلسفة كنمط تفكير في عمقه ، لكنه يستعمل أدواتها التحليلة ، فنحن لا ننكر تجاوب ، خصووصا ، أننا في زمن إتصال عام بين جميع الثقافات ، المواطنين مع طريقة التفكير العقلانية ... لكن الأسف الشديد يعود إلى ظهور فئات هوامشية ، تريد أن تبحث لها عن عمق ما ، تسقط مخاوفها الهستيرية ، وشبكة أمراضها المركبة التي تحفل بها ،على الدين ، فتعلي دينها الخاص والباطالوجي ، وتشرع في العمل وفق مشيئة الحقائق المقدسة التي تؤمن بها ، فيأتي السحل عندهم سهلا وسريعا ، وتحتل كلمات التكفير والإدانة لغتهم ، ويمارسون رسولية موهومة أعطوها لأنفسهم .

دائما ما نقول أن الإختلاف ليس شرطا للخلاف الإجتماعي ، لكن هذا ما نقوله نحن ، نحن متبني فكر التنوير ، ومتبني فكر التسامح ، وفكر التعايش ، حتى مع أكثر المخالفين ،والمهددين لنا ... لكن ماذا عنهم هم ، ماذا عن الذين لا يرون في الوجود غير حقائقهم الوحيدة التي يؤمنون بها ؟؟؟؟

أريد أن أسمع ، وأريد أن أقرأ، قصاصة إخبارية، تقول أن أستاذ مادة الفلسفة هدد شخصا آخر بالنحر ، وحاكى فعل النحر، وعمل على الركل والضرب ... أبدا ، لن تجدوا هذه القصاصة ، وإن تم إفتراضها ، فإنها ستكون عبارة عن مسرحية يؤدي فيها الأستاذ هذا الدور ،ويلعب فانتازيا دور للتسلية المسرحية ليس إلا .

شهد التاريخ ،وبشكل أكثر وضوحا ، في الأنساق الإجتماعية التي لم تقطع إبستيمولوجيا مع طبائع الفكر الأحادي ، أي طبائع فكر الإستبداد،كما جاء عند عبد الرحمان الكواكبي ، تضييقا ممنهجا لفكر العقل ،وتشويها مقصودا لكل العقلانيين ،وتعريضا في حياتهم وأعراضهم ،وإحراقا دائما لمنتوجاتهم الفكرية ... وما هذا إلا لأن هناك دائما فئات مضادة للتنوير ،تتسرطن في حياة الناس البسطاء ، وتعمل على التأليب العاطفي ، وتعمل على مداعبة أوتار الوجدان الديني ، وحين تشكل هذه الفئات حوشيا للدولة ، وتدعم المستبد بتبرير إستبداده ،ويجازيها بترك العنان لأفعالها كيفما كانت ، يتم الخنق التام للعقل ؛ لقد حدثت نكبة إبن رشد في نفس هذا السياق ، رغم أن الرجل كان رجل فكر وفقه ، أو بتعبيره ،كان رجل عقل ونقل ... وفي نفس السياق تمت مطاردة رجال الفكر الإعتزالي ،وسحلهم في الشوارع ، لأن الفئة الباغية - التي تعنيهم هم أصلا - لم تكن مستعدة للحديث مع القعل أبدا،

الفلسفة هي فكر للسؤال غير المحدود ، التواق إلى إنتاج فهم مقبول لا يدعي إمتلاك الحقيقة الأبدية ، لأنها ملك لله ، وهي فكر نزق -إن جاز هذا التعبير - لا يستكين إلى بديهيات قدسية ، والتناقض ، هنا، ليس مع الدين ، فبعارة إبن رشد *الحكمة -الفلسفة - أخت الشريعة من الرضاعة *، تسقط هذا التناقض ، وتظهر زيفه ، لكن التناقض ، هو في الأصل، مع طرائق تفكير مخصوصة لأناس خلطوا ضيقه الفكري مع ممارساتهم التعبدية ، فأنتجوا رؤية عامة تقصي العقل كمنتج للمعرفة ، وتظل رهينة إجتهادات بشرية يمكنها أن تصيب ،كما يمكنها أن تخطئ، لكنها لا يمكنها أن تملك صفة القداسة .

الخوف يزداد ، وتضح مبرراته ، بشكل جلي ، فقبل هذا الإعتداء على مدرس مادة الفلسفة ،كانت هناك محطات تعكس الحرب الشرسة التي يخوضها المتطرفون ضدا في العقل ، فمع فتح الأبواب على مصراعيها للإفتاء من طرف أيا كان ، ومع تواجد فئة لا يرضيها صوت الحكمة ولا يرضيها صوت التعقل ، بات لدينا حقل خصب للمس بذمم الناس ، وللتشكيك في معتقداتهم الدينية ، وللضرب تحت الحزام في أعراضهم وأسرهم وحيواتهم الشخصة .

سؤال يفرض نفسه بشكل ملح ، يتعلق بدور الحكومة ، ومفعولها ،وماذا تفعل ، ولما هي قائمة ... فإن كان دورها يتعلق فقط بإنتاج التصاريح ، ومشاريع القوانين ، والدخول في لعبة شذ الحبل بين أطرافها ،وتدع ، في المقابل ، حياة الناس للناس ،فإنها تؤشر على فشلها قبل ولا يتها التشريعية الثانية ؛ فمن سيعيد لفئات عريضة من الناس حقوقها التي يتم التلاعب بها من طرف أصحاب عقول الوصاية الدينية والفكرية .

أخيرا ، وليس آخرا، نرفع شارة النصر لأستاذ مادة الفلسفة ، الذي تعرض للتعنيف ،وهو تعنيف ، وكيفما كانت أسبابه ، غير مبرر ، ولا يجب أن يكون مبررا إطلاقا ، أو هذا مايدعو إليه العقل الذي نؤمن به ... إننا نتضامن مع محنة الأستاذ، لأننا نعلم أنها محنة للعقل ، ونعلم أنه يتم إنتاج نفس الفئات المحاربة لضوء الشمس.