الأحد، 4 أغسطس 2013

صمامات الأمان

صمامات الأمان
الكاتب : سيومي خليل
----------------------------------------

لو كانت ولادتي ستحدث بعد فضيحة العفو ،ولو سمح لي أن أختار أي ريح بلد أول سأشم ، لما اخترت غير المغرب ، بكل عيوبه ، وبعبثية التسيير فيه ،وبتخلفه ، وبأناسه مختلفي المعادن ؛ يخيل لي أن ناسه ليسوا من تراب جميعا ، وأن منهم ، وفيهم من هم أقل من التراب ، كضحايا الإعتداء الجنسي الصغار ، هؤلاء يمكن أن يكونوا من وحل آسن ، أو من مخاط ، أو من أي شيء ، فيكفي أنهم لا يرون في الإدارات ، وليسوا أكثر من إسم ، والإسم هذا ،ككل شيء، يمحى بسهولة ...

لو خيرت لإخترت أن أكون مغربيا ،له هيئة كئيبة ،وصارمة، ودائما يفكر في صمامات الأمان التي تحميه ،وتحمي عائلته من توغل الفساد ...

سأختار أن أعلم أبنائي ، وأبناء الجيران ، أن لا يضحكوا كثيرا ،فلم أعد بعد الفضيحة أضمن تفسير الضحك ، وبدأت اخاف أن يفهم الضحك غنج سافر ،ودعوة لمطارحة الفراش ، أو الإسمنت ، أو الريح ، لذا سيكون أول صمام أمان هو التجهم البادي ،والواضح ، والكآبة القاتمة ...

ساختار أن أتحقق في الوجوه التي تنظر إلي ،وسأعلم أبنائي حدة التحقق هاته ،فكل شيء أصبح مختلطا ؛ جواسيس ، باحثون عن لذة مفتقدة ، مجرمونن ، مرضى ... علي أن أعلم أبنائي أن يعرفوا الوجه الذي ينظر إليهم إلي أي عالم داخلي ينتمي . لذا سيكون صمام الأمان الثاني هو الحيطة ...

سأختار الفيسلوف الفرنسي ديكارت المفكر الأول الذي أعلم فكره لأبنائي ، فهو الشكاك الأول ،وأظن أن أبنائي سيجيدون شك ديكارت ، إلى الدرجة التي يبدأون فيها بالشك في انا أولا ، وفي من أكون ،وفيما أريد ؛ حينها ساطمئن عليهم ... هذه يا أبنائي ثالث فكرة عن صمامات الأمان ؛ الشك ، شكوا في كل شيء ،كي لا يغتصبكم إسباني بنفس الطريقة التي تلعبون بها مع بعض ...

سأختار الحكمة الأثيرة عن الصمت ، وعن كونه حكمة تفرعت منها الحكم ، وعن كونه ذهب ، وسأقول لأبنائي اصمتوا ، وإن أردتم أن تتكلموا فاصمتوا ، فالبلد الذي أخترته بإرادتي ، لا يحب الكلام ، ومشغول بفكرة التأويل ، وله عقاب صارم عن لعب اللسان ... أبنائي الصمت جميل، وهو صمام أمان قوي ،فهل رأيتم أحدا اغتصب وتكلم ، فغصمتوا كي توهموا الجميع أنكم مغتصبين ؛ أولستم أبناء وطن مغتصب ؟؟؟.

سأختار طريقة مشي المقيدين ، أنتم يا أبنائي تعرفون هذه الطريقة ، وتعرفون أن غايتها أن لا يكون رأسك مستقيما ، ولا تكون كتفيك معتدلة ، فاعوجوا اكتافكم ، واحنوا رؤوسكم ، كي تضمون الا تراقبكم أعين الكائن القوي في البلد ، وبهذا تضمنوا عيشا دون إستنطاق أو تحقيق ؛ هيا يا أبنائي إبداوا بتعلم صمام الامان هذا ، فالمهوسسين باعتصاب الأطفال لا يبحثون عن أطفال منكسرين ...

سأختار ألا أنظر في الأشياء أكثر من ثواني معدودة ، وهذا ما سأعلمه أبنائي ، عليكم أن تطامنوا أعينكم ،كي لا يقرأها أحد ، وكي لا يعرف أحد مقدار الخجل بها ، أوهموا الجميع أنكم خجلين للغاية ،كي يتأففوا من أعينكم الغبية ، ويدعوكم تمشون في سلام ؛ لا تنسوا أبنائي أن هذا صمام أمان جد مهم ، فالخجل يمنع المغتصبين عن الغقتراب أكثر ، لأنكم تكونون حينها شيئا ملغزا غير واضح ...

سأختار يا يأبنائي ألا ألدكم في بلد كل ما فيه غير مشجع على رعاية شجرة فكيف برعاية ذات عاقلة ...

سأختار يا أبنائي الا أبحث لكم عن ام ، فهي أكيد في بلدي ، ستكون أسوأ مني، واكثر تشاؤما مني ، ولا تفكر في الابناء ...

سأختار يا أبنائي أن أتخيلكم تكبرون في وضع غير الوضع ،وفي سياسية غير السياسة ،وفي ثقافة غير الثقافة ...

إذا حدث يا أبنائي واغتصبتم فأدينوا العفو ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق