أفكار حول الغسيل
الكاتب : سيومي خليل
------------------------------------------------------------
الغسيل يتعدى أن يكون عملية آلية ، تعيد الثوب المتسخ إلى نظيف ، إننا نقوم بعمليات غسيل جد مركبة ومعقدة .
أعذروني ،أولا ، لأني لن أكون جادا على الإطلاق في كتابة هذا المقال ، المقال سيكون جادا ، أما حالتي النفسية فستكون جد ساخرة .سأحاول أن أكون كوميديا بلون أسود ، فأنا الرجل الكئيب دائما ، أفكر أن أكون كوميديا حتى لا أنكسر بسرعة. واعذروني مرة آخرى إن كنت سأتهمكم جميعا بعمليات غسيل مختلفة القذارة حسب ميولكم الثقافية ورؤيتكم للحياة؛ من منا لم يمارس حقه في نشر غسيل الأشخاص الذين يكرههم ؟؟؟
هناك رجل جنبي ا،لآن، في المقهى ، يقوم بعمله الخاص ؛ إنه يشتغل في عملية غسيل مركبة ؛ ينتقد أشخاص غير موجودين ، يتهمهم ، يتحدث عن حميمياتهم ، ويعطيهم في الأخير صفر مكعب كحصيلة لوجودهم ... وقبل أن يغادر يدخل في مشاجرة شفوية مع نادل المقهى بسبب حساب بعض السجائر .
الغسيل لا يعمل على جعلنا كثيري الكلام، ومحبين للثرثرة ، بل غنه يسيءإلى طباعنا كثيرا .
السياسيون لا ينتقدون بعض ، فكل ما أقرؤه ، هو في الحقيقة عملية نشر للغسيل الجاهز ، بعض الإنتقادات هي ما يمكن أن تكون هادفة ،تضع الوطن كأولوية ... حين أقرأ جريدة ورقية ، أو أقرأ موقعي المفضل هسبريس ،أشعر أن المهمة السيدة على الخبر هي غسيل محض بين مجموعة من الوجوه ؛فلان يتهم فلان...حين تقرأ الخبر تجد أن الأمر كله خال من أي ممارسة سياسية ، بل حديث مقاهي كما حدث مع رجلنا السالف .
أتساءل عن جوهر الممارسة السياسية هل هي فقط نميمة صالونات ،أم تشريح لقضايا سياسية واجتماعية .
كيف كان سيكون الوجود بدون القدرة على إنتاج اللغة والكلام ؟؟؟ أعتقد أن هذه القدرة هي التي جعلت الوجود فوضوي، وبشكل غير متناسق إطلاقا ،على مستوى فهم الأحداث التي ننتجها .
هذه القدرة حين تحول إلى غسيل تصبح قدرة سالبة لمفهوم الحرية ؛ كيف ذلك ؟؟؟ سأحكي هذه القصة ليتضح الأمر اكثر ؛
سمع أحد الرجال، الذين يحملون شكا مرضيا منذ الطفولة ، بأن زوجته غير الجميلة تخونه ، لقد كان الغسيل الموجه لزوجته عابرا ، في حديث عابر، وربما كان الحديث ساخرا، لكن اللغة لعبت دورها ، وجعلت الشك ماردا لا تتوقف وساوسه .
النهاية كارثية ؛ يتغلب الشك على الزوج ، تقتل الزوحة ... وليس في كل العملية امر للتحقق مما تم قوله أو نشره ...
سنيتهي الشك بصاحبه على إسمنت بارد باحد سجوننا بالباردة ؛ يا لها من عملية غسيل جد نقية .
حين يجتمع شخصان تحيا عمليات الغسيل بسرعة، وإنتعاش واضح ؛ ففي ماذا سيتحدث إثنان ينتميان إلى نسق لا يؤمن بالثقافة والفكر ؟؟ كي يمر الوقت بسرعة ، سيبدآن بنشر الغسيل ، صحيحا كان أو غير صحيح ،وفي الغالب الغسيل لا يكون صحيحا ، لكن المهم أن يتم وجود موضوع للحديث .
كيف تنتعش عملية الغسيل هذه ؟؟؟؟
إن إوالياتنا النفسية جد معقدة ، جعلت من حالتنا النفسية مطمئنة لما ننتجه من كلام ، فمادمنا أصبحنا على يقين بأن الكلام لا ضرر منه ، أصبح في المقابل إحساسنا بالذنب لما نقوله منعدما ؛ فأن تتهم شخص غير موجود بشيء ليس فيه ... أمر لا يستدعي توتر في ضميرنا ، فنحن بتنا نعتقد أنه كلام سيبعثره الريح ، بل إننا بعد دقائق نكون في حديث آخر مع الشخص الذي اتهمناه في الحديث الأول ؛ إننا عطلنا -بسبب إيماننا بعدم قدرة الكلام على تغيير شيء -ضمائرنا ... هيا لنقل إذن ما نشاء .
الغسيل لا يكون في واقع الامر إلا غسيلنا نحن ، هذا ما يسمى بإلاسقاط ، والاسقاط عملية نفسية جد مراوغة ...كيف ذلك ؟؟؟
إن الشعور العميق ، سواء كان صحيحا أم خاطئا ، بتصور معين حول أنفسنا لا يعجبنا ، يجعلنا نرميه كأننا نحمل جمرة ساخنة ؛ فإن كنت غير راض على صفة فيك ، فإنك تصف بها أي شخص تشعر أنه يعرفها عنك ، وهذا كي تسد علىه طريق الإدانة .
الأمر يتحول إلى غسيل - وغسيل مضاد ، فتمر حياتنا كلها كأنها عبارة عن معارك لن تنتهي .
إذا ما دقننا في غسيل شخصين بعضهما بعضا، سنجد نفس التهم ، بنفس الصياغة ، وبنفس التفاصيل ، كأنهما متفقان على قول ما يعرضون به نفسيهما .
في مكان عملي الجديد ،سمعت نفس التهمة يتداولها ثلاث أشخاص فيما بنهم ؛ فرقم 1 يتهم رقم 2و3 ، ورقم 2يتهم 1و3 ، ورقم 3يتهم 1و2 بنفس التهمة ...يا للسخرية ؛ لما كل هذا الأمر ؟؟؟ ببساطة لأنهم يشتغلون نفس العمل ، ويتنافسون حول من هو الأكثر جدية ، وبدل أن يكون التنافس عملية شريفة ، يبدؤون بتعريض أنفسهم لسهام مسمومة .
أنا على يقين أن لا أحد تصح فيه التهمة، لكنه التوهم ، والخوف الشديد من أن تكون صفتهم، لذا يظهرون إمتناعها عنهم بإلصاقها بالآخرين ، كان عليهم ان يعلموا أنهم ألصقوها بأنفسهم بهذا الشكل .
إن عدم قدرتنا على الإقتناع بمن نحن ،بما نقوم به ، وبما نستطيع ان نفعله ،يجعلنا دائما في حرب خفية وواضحة مع محيطنا الضيق .
الأسوأ ، هو أننا أصبحا نقيم بعضنا بعضا إنطلاق من الغسيل المنشور ، وليس من المعرفة نفسها ، فيمكن لشخص ما أن يعطي تقييم حولك دون أن يراك ،لأنه فقط سمع فلان يتحدث عنك .
في عملي الجديد ، وبعد أسابيع فقط من العمل ، دخلت في حوار مع أحد الأساتذة القدامى ، والحوار خضع لبعض التغييرات ، لكن المعنى هو نفسه ، وهذا فقط للأمانة الأدبية ...
-مرحبا بك خليل ،لقد شرفنا إسم آخر من عائلة سيومي في مؤسستنا .
-هل اشتغلت مع أخي حين عمل هنا ؟؟؟.
- نعم ... كنت أعرفه معرفة سطحية ...هل تأقلمت مع المنطقة ؟؟؟
- بعض الشيء ...
-هذه المنطقة، ومؤسستنا، تتطلب نوعا من اللين ،الصرامة الكثيرة غير مفيدة ...
-ليس فقط في هذه المنطقة ، الحياة كلها تتطلب أن نكون معتدلين في تعاملنا .
- لكن على ما يتضح أنك صارم أكثر من اللازم في تعاملك مع التلاميذ وحتى مع غير التلاميذ ...
هنا إبتسمت ، بل غني أظهرت نواجذي بشكل بارز. سألته ؛
- الآن ...كيف تراني، هل أنا صارم معك ، أم أنك وجدتني ودودا ، وانا من بدأت الحديث معك...؟
- لا... أنت تبدو لي جد ودود، حتى وإن كانت هناك صلابة في آرائك ...
- إذن ... من أخبرك بأني صارم مع الجميع ؟؟؟
هنا ابستم هو الآخر ، لأنه عرفه أنه أخطأ ، وعرف أن من وصفني بالصرامة ، كان في الواقع يتحدث عن تصوره لي ...
إبتسمت من جديد ، وفكرت في الغسيل ، الذي لا يمارسه ذووي المراتب الدنيا من الثقافة فقط، بل للاأسف، انه أصبح الراببط بين الجميع
الكاتب : سيومي خليل
------------------------------------------------------------
الغسيل يتعدى أن يكون عملية آلية ، تعيد الثوب المتسخ إلى نظيف ، إننا نقوم بعمليات غسيل جد مركبة ومعقدة .
أعذروني ،أولا ، لأني لن أكون جادا على الإطلاق في كتابة هذا المقال ، المقال سيكون جادا ، أما حالتي النفسية فستكون جد ساخرة .سأحاول أن أكون كوميديا بلون أسود ، فأنا الرجل الكئيب دائما ، أفكر أن أكون كوميديا حتى لا أنكسر بسرعة. واعذروني مرة آخرى إن كنت سأتهمكم جميعا بعمليات غسيل مختلفة القذارة حسب ميولكم الثقافية ورؤيتكم للحياة؛ من منا لم يمارس حقه في نشر غسيل الأشخاص الذين يكرههم ؟؟؟
هناك رجل جنبي ا،لآن، في المقهى ، يقوم بعمله الخاص ؛ إنه يشتغل في عملية غسيل مركبة ؛ ينتقد أشخاص غير موجودين ، يتهمهم ، يتحدث عن حميمياتهم ، ويعطيهم في الأخير صفر مكعب كحصيلة لوجودهم ... وقبل أن يغادر يدخل في مشاجرة شفوية مع نادل المقهى بسبب حساب بعض السجائر .
الغسيل لا يعمل على جعلنا كثيري الكلام، ومحبين للثرثرة ، بل غنه يسيءإلى طباعنا كثيرا .
السياسيون لا ينتقدون بعض ، فكل ما أقرؤه ، هو في الحقيقة عملية نشر للغسيل الجاهز ، بعض الإنتقادات هي ما يمكن أن تكون هادفة ،تضع الوطن كأولوية ... حين أقرأ جريدة ورقية ، أو أقرأ موقعي المفضل هسبريس ،أشعر أن المهمة السيدة على الخبر هي غسيل محض بين مجموعة من الوجوه ؛فلان يتهم فلان...حين تقرأ الخبر تجد أن الأمر كله خال من أي ممارسة سياسية ، بل حديث مقاهي كما حدث مع رجلنا السالف .
أتساءل عن جوهر الممارسة السياسية هل هي فقط نميمة صالونات ،أم تشريح لقضايا سياسية واجتماعية .
كيف كان سيكون الوجود بدون القدرة على إنتاج اللغة والكلام ؟؟؟ أعتقد أن هذه القدرة هي التي جعلت الوجود فوضوي، وبشكل غير متناسق إطلاقا ،على مستوى فهم الأحداث التي ننتجها .
هذه القدرة حين تحول إلى غسيل تصبح قدرة سالبة لمفهوم الحرية ؛ كيف ذلك ؟؟؟ سأحكي هذه القصة ليتضح الأمر اكثر ؛
سمع أحد الرجال، الذين يحملون شكا مرضيا منذ الطفولة ، بأن زوجته غير الجميلة تخونه ، لقد كان الغسيل الموجه لزوجته عابرا ، في حديث عابر، وربما كان الحديث ساخرا، لكن اللغة لعبت دورها ، وجعلت الشك ماردا لا تتوقف وساوسه .
النهاية كارثية ؛ يتغلب الشك على الزوج ، تقتل الزوحة ... وليس في كل العملية امر للتحقق مما تم قوله أو نشره ...
سنيتهي الشك بصاحبه على إسمنت بارد باحد سجوننا بالباردة ؛ يا لها من عملية غسيل جد نقية .
حين يجتمع شخصان تحيا عمليات الغسيل بسرعة، وإنتعاش واضح ؛ ففي ماذا سيتحدث إثنان ينتميان إلى نسق لا يؤمن بالثقافة والفكر ؟؟ كي يمر الوقت بسرعة ، سيبدآن بنشر الغسيل ، صحيحا كان أو غير صحيح ،وفي الغالب الغسيل لا يكون صحيحا ، لكن المهم أن يتم وجود موضوع للحديث .
كيف تنتعش عملية الغسيل هذه ؟؟؟؟
إن إوالياتنا النفسية جد معقدة ، جعلت من حالتنا النفسية مطمئنة لما ننتجه من كلام ، فمادمنا أصبحنا على يقين بأن الكلام لا ضرر منه ، أصبح في المقابل إحساسنا بالذنب لما نقوله منعدما ؛ فأن تتهم شخص غير موجود بشيء ليس فيه ... أمر لا يستدعي توتر في ضميرنا ، فنحن بتنا نعتقد أنه كلام سيبعثره الريح ، بل إننا بعد دقائق نكون في حديث آخر مع الشخص الذي اتهمناه في الحديث الأول ؛ إننا عطلنا -بسبب إيماننا بعدم قدرة الكلام على تغيير شيء -ضمائرنا ... هيا لنقل إذن ما نشاء .
الغسيل لا يكون في واقع الامر إلا غسيلنا نحن ، هذا ما يسمى بإلاسقاط ، والاسقاط عملية نفسية جد مراوغة ...كيف ذلك ؟؟؟
إن الشعور العميق ، سواء كان صحيحا أم خاطئا ، بتصور معين حول أنفسنا لا يعجبنا ، يجعلنا نرميه كأننا نحمل جمرة ساخنة ؛ فإن كنت غير راض على صفة فيك ، فإنك تصف بها أي شخص تشعر أنه يعرفها عنك ، وهذا كي تسد علىه طريق الإدانة .
الأمر يتحول إلى غسيل - وغسيل مضاد ، فتمر حياتنا كلها كأنها عبارة عن معارك لن تنتهي .
إذا ما دقننا في غسيل شخصين بعضهما بعضا، سنجد نفس التهم ، بنفس الصياغة ، وبنفس التفاصيل ، كأنهما متفقان على قول ما يعرضون به نفسيهما .
في مكان عملي الجديد ،سمعت نفس التهمة يتداولها ثلاث أشخاص فيما بنهم ؛ فرقم 1 يتهم رقم 2و3 ، ورقم 2يتهم 1و3 ، ورقم 3يتهم 1و2 بنفس التهمة ...يا للسخرية ؛ لما كل هذا الأمر ؟؟؟ ببساطة لأنهم يشتغلون نفس العمل ، ويتنافسون حول من هو الأكثر جدية ، وبدل أن يكون التنافس عملية شريفة ، يبدؤون بتعريض أنفسهم لسهام مسمومة .
أنا على يقين أن لا أحد تصح فيه التهمة، لكنه التوهم ، والخوف الشديد من أن تكون صفتهم، لذا يظهرون إمتناعها عنهم بإلصاقها بالآخرين ، كان عليهم ان يعلموا أنهم ألصقوها بأنفسهم بهذا الشكل .
إن عدم قدرتنا على الإقتناع بمن نحن ،بما نقوم به ، وبما نستطيع ان نفعله ،يجعلنا دائما في حرب خفية وواضحة مع محيطنا الضيق .
الأسوأ ، هو أننا أصبحا نقيم بعضنا بعضا إنطلاق من الغسيل المنشور ، وليس من المعرفة نفسها ، فيمكن لشخص ما أن يعطي تقييم حولك دون أن يراك ،لأنه فقط سمع فلان يتحدث عنك .
في عملي الجديد ، وبعد أسابيع فقط من العمل ، دخلت في حوار مع أحد الأساتذة القدامى ، والحوار خضع لبعض التغييرات ، لكن المعنى هو نفسه ، وهذا فقط للأمانة الأدبية ...
-مرحبا بك خليل ،لقد شرفنا إسم آخر من عائلة سيومي في مؤسستنا .
-هل اشتغلت مع أخي حين عمل هنا ؟؟؟.
- نعم ... كنت أعرفه معرفة سطحية ...هل تأقلمت مع المنطقة ؟؟؟
- بعض الشيء ...
-هذه المنطقة، ومؤسستنا، تتطلب نوعا من اللين ،الصرامة الكثيرة غير مفيدة ...
-ليس فقط في هذه المنطقة ، الحياة كلها تتطلب أن نكون معتدلين في تعاملنا .
- لكن على ما يتضح أنك صارم أكثر من اللازم في تعاملك مع التلاميذ وحتى مع غير التلاميذ ...
هنا إبتسمت ، بل غني أظهرت نواجذي بشكل بارز. سألته ؛
- الآن ...كيف تراني، هل أنا صارم معك ، أم أنك وجدتني ودودا ، وانا من بدأت الحديث معك...؟
- لا... أنت تبدو لي جد ودود، حتى وإن كانت هناك صلابة في آرائك ...
- إذن ... من أخبرك بأني صارم مع الجميع ؟؟؟
هنا ابستم هو الآخر ، لأنه عرفه أنه أخطأ ، وعرف أن من وصفني بالصرامة ، كان في الواقع يتحدث عن تصوره لي ...
إبتسمت من جديد ، وفكرت في الغسيل ، الذي لا يمارسه ذووي المراتب الدنيا من الثقافة فقط، بل للاأسف، انه أصبح الراببط بين الجميع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق