دروشة السياسة
يصنف
أرسطو طاليس ، والفارابي ،وغيرهما ... السياسة
ضمن الفلسفة العملية ، أي أنها
سلسلة من حلقات الأسباب والنتائج ، وهما
يعلمان أنها تقوم على تنظير
لا يتوقف للشروط والقواعد ، لكنهما لم يدرجاها في الفلسفة النظرية، لأن كل هذه الشروط والقواعد التي يتم التنظير لها سياسيا خاضغة
لمعطى الواقع ، تأتي منه ، وتعمل
على تحيينه .
بهذا
المعنى الإنسان كائن سياسي ، لأنه
يعيش وفق تنظيمه لإختلافاته المتعددة ... لكن حين تم تحويل الحقل السياسي إلى زواية صوفية ، نكون قد إنتقلنا من المُمارس
إلى المحسوس به ، فقط ، وإلى الجواني – الداخلي الذي لا يعكس إلا تجربة ذاتية ، والسياسة لم تكن
يوما تجرة ذاتية ، إنها تجربة الجماعة ، ونقاش الجميع قصد تحديد معالم الطريق .
لم
تفتصر دروشة السياسة ، وتغييبها وراء الغيبي ، وفصلها عن شروطها المنتجة لها ، على الحركات والهيئات المتبناة لمسار ديني – صوفي ، أرتوذوكسي حتى في الرؤية للفعل السياسي ، بل أصبحنا نلاحظ
أن تضييق الفرق بين السياسة والدروشة
مس حركات وهيئات تعادلية أو وسط يمينة ... بإختصار ؛ تظهر الشعبوية في دروشة السياسة وربطها بالماورائي بشكل غريب .
إننا نعرف
أن حركة العدل والإحسان من أول الحركات
المتبناة للدروشة السياسية ، فأصول الحركة
مرتبطة بفعل التصوف الذي تم دمجه –في
خليط غريب – مع السياسة ، ونحن نعرف أن
التصوف جانب معرفي روحاني له خصائصه المميزة .
ما يجعل الأمر
مثيرا للسخرية ، هو دخول حزب
الإستقلال إلى الدروشة السياسية مع أمينه
العام حميد الشباط ؛ فالرؤيا التي رآها
حميد شباط ،والتي نظر فيها الزعيم الروحي
للحزب علال الفاسي ، ودعوته إياه إلى
الترشح للأمانة العامة ضد إبنه ... هي
رؤية تمتح من معين الدروشة ، ونحن
لسنا في نقاش لمفهوم الرؤيا ، وهل هي واقعية ، أم أنها تأثير لا شعوري ... إننا
نناقش هذا الربط بين الدروشة والسياسة ،
فقبل شباط أرهقنا عبد سلام ياسين برؤاه المباركة
–والتي يمكنها أن تكون لها دلالات أعمق مما يتم إعلانه –بل هذا مؤكد - الذي أريد لها بفعل
الأتباع- أو بفعل صاحبها - أن تصبح ذات دلالة سياسية ... إن ما يغيض ليس هو
رؤاهم ،فتلك أحلامهم ، وذاك منظورهم الفكري ، بل هو ربط الرؤى
بالمسار السياسي .
الأغرب ، وفي زمن العلوم الدقيقة والعلوم الإنسانية العقلانية ، أن هناك من يصدق
هذه الدروشة، وهذه الرؤيا ... فيصح بالتالي الآمر على المأمور: إن هذا
الغصن من تلك الشجرة ... وهذا ما ينتجه نسقنا السياسي والفكري . 
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق