الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

الفيلولوجي ينصح نجيب محفوظ


الفيلولوجي ينصح نجيب محفوظ
القصة القصيرة
الكاتب : سيومي خليل
وجد نجيب محفوظ  بين مجموعة من الكتب القديمة مخطوطة ،كانت أوراقها من البردي ، لكنها لم تكن مكتوبة باللغة الهيروغليفية، ولا بأي لغة  يعرفها ، ربما كانت مكتوبة  بلغة غير إنسانية ، لكنه قبل أن يصرح بهذا الإعتقاد ،ذهب عند  أحد الفيلولوجيين المعروفين  ، والذي كان على دراية  باللغات ، قدم له المخطوطة ، فما كان من هذا الفيلولوجي  إلا الصمت ، حين سأله نجيب  عما في المخطوطة  ، أشار له بلا شيء ،وتركه وانصرف.
لم يكن نجيب محفوظ  مشغولا  بكتابة رواية  حين عثر على المخطوطة القديمة  ، ففكر أنها  فرصة مناسبة  ليفهم ما في المخطوطة ، ولما الفيلولوجي  صمت ، وما هذا اللغة  التي جمعت بين الأرقام  والخطوط  والنقط   والأشكال.
جمع نجيب محفوظ  مجموعة من كتب  اللغة ، كتب لغات قديمة ، لغات مسمارية ، لغات حضارات ما بين النهرين  ،اللغة اليونانية ، وقارنها  مع لغة المخطوطة  ؛ لا شيء من هذه اللغات  كتبت به المخطوطة  . لكنه لاحظ  أن هناك كلمات  تنتمي إلى  كل هذه اللغات  في ثنايا المخطوطة ، وجد -مثلا- كلمة أسطورة  باللغة اليونانية ، وكلمة عقل  بلغة  البابلية ، وكلمة رب بأكثر من لغة، وكلمات لأسماء آلهة وأماكن معروفة ، لكن معنى المخطوطة  ظل غامضا  عليه .
 قال النقاد :
في أولا حارتنا  إحالات متعددة  لأساطير قديمة، وتلاعب بمعاني  الأسماء  ودلالاتها ، وإنتقاد مبطن للأديان ...
كل هذا  كان السر  وراءه رغبة  نجيب محفوظ في تقليد المخطوطة .
كيف ذلك ؟؟؟
هناك رويتان  ...الرواية الأولى  تقول أن نجيب محفوظ  كان يعرف  لغة المخطوطة ، وفهم معناها ، وعلم أنها  ممنوعة  كما كانت ممنوعة في زمن كتابتها  - هذا ما قال النقاد أنه إعتقده – لذا  فكر في كتابة  رواية  فيها بعض  مما في المخطوطة .
 الرواية الثانية - وهي الأصح - تقول  أن نجيب محفوظ  فهم بعض الكلمات  من المخطوطة ،وحين جمعها أعطته  عبارة واضحة ، هذه العبارة  هي المعنى الكلي  من وراء كتابته رواية أولاد حارتنا .
 بعد أن تلقى  نجيب محفوظ  طعنات  سكين غادرة من أحد المتشددين  بسبب روايته أولاد حارتنا  ،كان يرى، وهو في المستشفى ، أحلاما غريبة  ،وكان يرى وجه المعتدي عليه  بشكل واضح  ، رغم أنه لم يره  جيدا  وهي يعتدي عليه  .
لقد كان المعتدي على نجيب في الحلم  طويلا  ، وكان قوي البنية ، وأنيق الوجه ، تظهر عليه ملامح  الرقة، لكنه كلما إقترب  جهة نجيب محفوظ  إلا  ويتحول وجهه  إلى عبارات مكتوبة بشكل خاطئ ، وإلى كلمات غير مفهومة ،وإلى خربشات لا معنى لها .
 لم يحتج نجيب محفوظ  أن يعرض حلمه على سيجموند فرويد  ، الذي لم يكن يعرفه إلا داخل النصوص  ، فهو كان يعرف معنى  الحلم جيدا . ولم يحتج إلى إبن سيرين  لأن كل تفسيراته للأحلام خاطئة  . كان بإمكان نجيب محفوظ أن يسأل  أي طفل مار  في شارع خان الخليلي  عن معنى  الحلم ، فيجيبه الطفل  ببراءة  ؛ إن المعتدي عليك هو الجهل  الذي يتخفى  في كل المظاهر .
 كان تفسير نجيب محفوظ  لصمت الفيلولوجي  المعروف، والذي عرض عليه المخطوطة  غريبا، وإن كان  يليق بروائي  عالمه مركز في اللغة .
 كتب نجيب محفوظ  في كتاب يومياته ، الذي لم يتم العثور عليه  بعد موته - رغم أن دور النشر  دائما ما تدعي  وجود  مثل هذه اليوميات وأعمال كاملة  غير منشورة للمشاهير  - التالي :
 إن صمت الفيلولوجي يدل على خبث اللغة ،فإحساس الفيلولوجي  بمكر الكلمات  جعله يحتمي  بالصمت ، فكل ما كان سيقوله  كنت لن  افهمه  كما هو ، ثم أنه سيقول  كيف فهم المخطوطة  ، وأنا كنت أريد  أن أفهما أنا لا هو  ، إن اللغة  جد ماكرة  ودائما ما تعني شيئا مختلف  لكل قارئ  .
 لا ادري إن كان  نجيب محفوظ  يعرف جاك دريدا ، لكني أحسست أنه شكره عميقا ، ورد دريدا  الشكر  ، لهذا ماتا معا  ،خصوصا حين  كانا ينهيان  كتاباتهما، فهما كان  على يقين  بأن القارئ هو من لا يموت .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق