الفيلولوجي ينصح نجيب محفوظ
القصة القصيرة
الكاتب : سيومي خليل
وجد نجيب محفوظ
بين مجموعة من الكتب القديمة مخطوطة ،كانت أوراقها من البردي ، لكنها لم
تكن مكتوبة باللغة الهيروغليفية، ولا بأي لغة
يعرفها ، ربما كانت مكتوبة بلغة غير
إنسانية ، لكنه قبل أن يصرح بهذا الإعتقاد ،ذهب عند أحد الفيلولوجيين المعروفين ، والذي كان على دراية باللغات ، قدم له المخطوطة ، فما كان من هذا
الفيلولوجي إلا الصمت ، حين سأله
نجيب عما في المخطوطة ، أشار له بلا شيء ،وتركه وانصرف.
لم يكن نجيب محفوظ مشغولا
بكتابة رواية حين عثر على المخطوطة
القديمة ، ففكر أنها فرصة مناسبة
ليفهم ما في المخطوطة ، ولما الفيلولوجي
صمت ، وما هذا اللغة التي جمعت بين
الأرقام والخطوط والنقط
والأشكال.
جمع نجيب محفوظ
مجموعة من كتب اللغة ، كتب لغات
قديمة ، لغات مسمارية ، لغات حضارات ما بين النهرين ،اللغة اليونانية ، وقارنها مع لغة المخطوطة ؛ لا شيء من هذه اللغات كتبت به المخطوطة . لكنه لاحظ
أن هناك كلمات تنتمي إلى كل هذه اللغات
في ثنايا المخطوطة ، وجد -مثلا- كلمة أسطورة باللغة اليونانية ، وكلمة عقل بلغة
البابلية ، وكلمة رب بأكثر من لغة، وكلمات لأسماء آلهة وأماكن معروفة ، لكن
معنى المخطوطة ظل غامضا عليه .
قال
النقاد :
في أولا حارتنا
إحالات متعددة لأساطير قديمة،
وتلاعب بمعاني الأسماء ودلالاتها ، وإنتقاد مبطن للأديان ...
كل هذا كان
السر وراءه رغبة نجيب محفوظ في تقليد المخطوطة .
كيف ذلك ؟؟؟
هناك رويتان
...الرواية الأولى تقول أن نجيب
محفوظ كان يعرف لغة المخطوطة ، وفهم معناها ، وعلم أنها ممنوعة
كما كانت ممنوعة في زمن كتابتها - هذا
ما قال النقاد أنه إعتقده – لذا فكر في
كتابة رواية فيها بعض
مما في المخطوطة .
الرواية
الثانية - وهي الأصح - تقول أن نجيب محفوظ
فهم بعض الكلمات من المخطوطة ،وحين جمعها أعطته عبارة واضحة ، هذه العبارة هي المعنى الكلي من وراء كتابته رواية أولاد حارتنا .
بعد أن
تلقى نجيب محفوظ طعنات
سكين غادرة من أحد المتشددين بسبب
روايته أولاد حارتنا ،كان يرى، وهو في المستشفى
، أحلاما غريبة ،وكان يرى وجه المعتدي
عليه بشكل واضح ، رغم أنه لم يره جيدا
وهي يعتدي عليه .
لقد كان المعتدي على نجيب في الحلم طويلا
، وكان قوي البنية ، وأنيق الوجه ، تظهر عليه ملامح الرقة، لكنه كلما إقترب جهة نجيب محفوظ إلا
ويتحول وجهه إلى عبارات مكتوبة
بشكل خاطئ ، وإلى كلمات غير مفهومة ،وإلى خربشات لا معنى لها .
لم يحتج
نجيب محفوظ أن يعرض حلمه على سيجموند
فرويد ، الذي لم يكن يعرفه إلا داخل
النصوص ، فهو كان يعرف معنى الحلم جيدا . ولم يحتج إلى إبن سيرين لأن كل تفسيراته للأحلام خاطئة . كان بإمكان نجيب محفوظ أن يسأل أي طفل مار
في شارع خان الخليلي عن معنى الحلم ، فيجيبه الطفل ببراءة
؛ إن المعتدي عليك هو الجهل الذي
يتخفى في كل المظاهر .
كان تفسير
نجيب محفوظ لصمت الفيلولوجي المعروف، والذي عرض عليه المخطوطة غريبا، وإن كان يليق بروائي
عالمه مركز في اللغة .
كتب نجيب
محفوظ في كتاب يومياته ، الذي لم يتم
العثور عليه بعد موته - رغم أن دور
النشر دائما ما تدعي وجود
مثل هذه اليوميات وأعمال كاملة غير
منشورة للمشاهير - التالي :
إن صمت
الفيلولوجي يدل على خبث اللغة ،فإحساس الفيلولوجي
بمكر الكلمات جعله يحتمي بالصمت ، فكل ما كان سيقوله كنت لن
افهمه كما هو ، ثم أنه سيقول كيف فهم المخطوطة ، وأنا كنت أريد أن أفهما أنا لا هو ، إن اللغة
جد ماكرة ودائما ما تعني شيئا
مختلف لكل قارئ .
لا ادري إن
كان نجيب محفوظ يعرف جاك دريدا ، لكني أحسست أنه شكره عميقا ،
ورد دريدا الشكر ، لهذا ماتا معا ،خصوصا حين
كانا ينهيان كتاباتهما، فهما
كان على يقين بأن القارئ هو من لا يموت .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق