الخميس، 25 أكتوبر 2012

حكومة لغوية


الكاتب : سيومي خليل 
------------------------
كما حدث في التناوب التوافقي الأول، سيتم، وبنفس السيناريو ،مع تغيير الإخراج والمشاهد ،إيقاف مسار الإصلاح  عند  لحظة –مكان ما ، ليتم السماح  لأولائك  الذين سُموا ووصفوا  *تماسيحا* و*عفاريتا *، بإعادة توجيه  المسار وفق  مخططاتهم ، هؤلاء  الذين شغلوا الناس  ، لا نعرف من يكونون ، ولا نعرف  لُهم أسماء، ولا نعرف إن كانوا واقعيين  ،أم أنهم مجرد إستخراجات  لغوية ، يتم التلاعب  بها سياسيا .

لقد إتسعت غرفة الإنتظار  ، ويبدو  أن هناك من يعمل  على توسيعها  أكثر ، لتضم  أكثر من حكومة ، ولتضم أكثر من إصلاح ، ولتضم  أكثر من نوايا التغيير  ، وليس أكثر من النوايا .
لا يبدو أن أحدا، محسوبا  كان على الأغلبية  أو المعارضة  ، براض  على المكوث  في غرفة الإنتظار هاته  ، رغم أن الجميع  ، وخصوصا ، الذين بإمكانهم  الخروج منها  ،مقيمين فيها أبد الآبدين ... فمن الذي تبدو  له  هذه الحالة أكثر قيمة  من الإنتقال  عبر مسارات  الإصلاح الديمقراطي؟؟؟.

أعلنها الجميع  ، وبجرأة واضحة ، وبصراحة لا يشوبها  أي نقص ؛ إننا عازمون  على الإصلاح  ، إننا مصصمون  على التغيير  ، إننا نريد خلق الإستثناء ... لا أريد أن  أهمل النية  وأضخم  من اللغة  ، واعتبر  أن الكلام  أسهل  من شرب قهوة  الصباح  ، فلا يمكن لكل هؤلاء  المسؤولين  أن تفسد نواياهم  ، وتعظم لغتهم فقط دون أن تعظم معها أشياء آخرى  ، ولا يمكنهم جميعا أن يمروا  كراما عابرين  في المسؤولية ، لا بد أن أحدا  سيأتي  بما لم  يأت بها  الأوائل ؛ هكذا أفكر ، هكذا أحلم ،فحين  يفسد الواقع  يرحب فضاء الحلم .

إننا نحلم  بأن تصير  لغة المسؤول  الفخمة ، والحماسية ، واقعا  يُنجز ، نريدها أن تخرج من قيد اللسان ، وتخرج من عصابة  النية ،نريدها أن  تخرج إلى  حرية الفعل  والتنزيل ... لكن الحلم هذا يبدو أصعب من التحقق  من نية المسؤول  في الإصلاح . ليس مستحيلا هذا الحلم، لكن التأشير  له بالجواز  لم يتحقق ، وكل ما حدث  بعد تنصيب  الحكومة الجديدة  ، يخلق توترا  بين الحلم  والواقع .
أول توتر تجلى  في عدم  رغبة الحكومة  الجديدة  في تفعيل  بنود الدستور  الجديد ، فهي حكومة  ، وهذا هو الصواب ، سابقة  عن الدستور ، تعمل بآليات  عمل الحكومة السابقة، وهذا توضيح للعلاقة  المضطربة  بين النظري  والعملي .

 وهي حكومة وضعت لنفسها  العراقيل ، ووضعت  لها أطراف  آخرى  عراقيل  أكثر ، وما نخشاه  أن تترك تحقيق  أحلام المواطنين ، وتشتغل  بإزالة  العراقيل من أمامها .

 وهي حكومة  لغوية في أول الأمر  ، ونعتقد أنها  ستنتهي لغوية  في آخره  ، فقد شغلتنا  بالخطابة  ، ونُقل داء الكلام  من وزير إلى وزير  ، فبتنا نسمع  جعجعة  ، ولا نرى للجعجة من طحين ، وبتنا نقرأ لوائحا بأسماء المستفيدين من .. وبأسماء الخارجين عن ... وبأسماء الريعيين والمفسدين و...و ...ونكتفي بهذا فقط دون مزيد ، ونشغل من جديد بتصريح  ناري لذا ، وبتصريح ناري لذاك ، ونرى كيف يصير  مجلس الأمة  محروقا بنار  اللغة والخطابة ، وكيف يتحول  الكلام إلى  عناد ، ويتحول العناد  الى فكرة *طارت معزة وحتى فيل علاش الا*...ولا نرى شيئا يتحقق ، فهل لأننا عميان؟؟؟ .
إنه التناوب التوافقي الثاني ،ومازلنا لم نر تناوبا ديمقراطيا أول ، إننا نخطو في نفس المساحة،مع رحابة  واسعة  في اللغة والخطابة . الحكومة رسمت لها دائرة ضيقة  تتحرك فيها  ، لذا كانت رحلة الملك محمد السادس إلى بلدان الخليج  تأشير صريح  بهذا الضيق ،فليس الإضطراب  في أطراف الحكومة بمحفز للتخلي على مستشاري الملك المتمكنين من صنعتهم  ،ولن تسمح حنكتهم  لتذبذب  قرار أعضاء  الحكومة  بأخذ الريادة  في هذه الرحلة .

ما منح للحكومة الحالية لم يمنح لغيرها ،وما تخلت عنه ،وفق مشيئتها ،أكثر  مما تخلت عنه الحكومات السابقة ...لكنها علمتنا  أن الحكومة بإمكانها أن تكون لغوية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق