الثلاثاء، 1 يناير 2013

أخلاقية النسق الإجتماعي

الكاتب : سيومي خليل 
أخلاقية النسق الإجتماعي 
-------------------------------------------------
حين يُبدأ الخوض ، وبدون مقدمات منطقية ، في أخلاق النسق الإجتماعي ،تكون هناك نهاية واحدة ؛ الحديث يصير بيزنطيا بين مجموعة من الصم والبكم، يختمون في النهاية ، وبيقين تام وصارم ، بلا أخلاقية المجتمع .

في أي باب - أخذا بالتقسيم الكلاسيكي للعلوم - يمكن إدراج دراسة أخلاق المجتمع ؟؟ . ثم ، إذا ما تخطينا التخصيص ومجال الإشتغال ، كيف نصنف ماهو إخلاقي ،وماهو مناقض للأخلاقي ، إجتماعيا ... ألن يكون الأمر سرد لخصائص فرد معزول ، في حين أننا أمام منتج للظواهر الإجتماعية ؛ المجتمع بإعتباره أكثر من مجرد أفراد ، وأكثر من مجرد علاقات بين هؤلاء الأفراد...

ليكن أولا علم الإجتماع ، بكل تلويناته النظرية ، هو الباب المشرع على أخلاقية المجتمع ، رغم أني لم أقرأ أي دراسة إجتماعية تتناول هذا الموضوع ، فهو كان ، وأظنه ما زال ، ضمن إهتمامات الدين ،وكان متنازع عليه بأحكام قيمة جوفاء تربطه بهلوسات ورغبات ذاتية ... وكفي المؤمنين شر القتال ، وحتى المؤمنون بالتحديث كانوا يغردون وراء ترانيم نشاز حين يُسألون ؛ ألا ترون التحديث - وغالبا ما يقال التغريب - في ربط سخيف بين مفهومين متباعدين - مناقض للأخلاق ؟؟؟. إن الإبتسامات ،والنعت بالجهل ، ليست جوابا شافيا ، إنما هي جواب نشاز مضبب ، يمنح خراب مالطية بعدا أكثر تراجيدية .

هناك قاعدة درج مبتدئي علم الإجتماع على حفظها ،كما تحفظ قارورات الكحول الجيدة في قبو كي تصير أجد كلما بلت وقدمت . ورغم أن القاعدة قديمة فهي تؤكد جديتها في كل لحظة راهنة ومستقبلية . القاعدة هي ؛المجتمع ظاهرة قهرية ... بهذه البساطة يتم إيجاد الإشبين الذي تعلق عليه كل إنحرافاتنا .

نعم ... القاعدة صحيحة منطقيا ، لكنها تحتاج لتبرير واقعي دائما ،والتبرير دائما ما يوجد ، لكنه يحتاج للملاحظة السوسيولوجية ، وإلى موضوع محدد ومعين لهذه الملاحظة .

الإكتفاء بمنطقية القاعدة الإجتماعية هذه ، وفيما يخص موضوع أخلاقية المجتمع ، يبني نسقا من الأفكار الخاطئة واقعيا والصححية منطقيا ؛ أولا ... يؤسس المجتمع للفرد الأخلاقي ، فما دام المجتمع قهري ، ويكون أفراده خاضعين لقهريته ، فإنهم أيضا يكونون خاضعين لنسقه الأخلاقي ... ثانيا ،تخضع المسؤولية للنكران من طرف الجميع ، الأفراد والمجتمع معا ، الجميع يحاول إقرار *خلو الذمة *،والكل يعمل على تعليق الذنب على أي طرف أو مؤسسة كانت ... ثالثا ، إنعدام الرغبة في نقاش الموضوع بشكل تشاركي ، فكل الأطراف ستكون مذنبة وضحية للذنب في نفس الوقت ،مما يخلق نوعا من التواطؤ لستر الخلل والعطب الأخلاقي في المجتمع ... إن كل هذه النتائج ما إن يتم ملاحظتها ووضع منظار الملاحظة الواقعية عليها حتى تنفجر داخل حركية المجتمع ؛ فالشيء المفكر فيه دائما والغائب دائما هو في أي وسط إجتماعي نعيش .

الملاحظة الواقعية - واقع المجتمع المغربي - تتأرجح بين الصفة ونقيضها ، بين فعل وفعل مخالف ، بين فكرة وعكسها ... وكل هذا دائما بالإرتباط مع النسق الأخلاقي للمجتمع المغربي .

أسمع دائما تبريرا للتناقض الأخلاقي الواضح في سلوكات الأفراد ،التبرير يقتصر بشكل فج على قهرية المجتمع ، فالجميع يقرون ودون مواربة ؛ إن المجتمع يرغمنا على هذا التناقض الأخلاقي ... يا له من جواب ماكر يقلب الطاولة بكل ما عليها .... وبنسىون -هؤلاء الشيزوفريين -بشكل متعمد القاعدة الثانية التي يتعلمها مبتدئي دراسة علم الإجتماع . القاعدة هي ؛ رغم أن المجتمع ظاهرة قهرية إلا أنه يتشكل ، وفي سيرورة متواصلة ، من سلوكات ، ومن أفعال الأفراد الذين يشكلون نسقية المجتمع . إنهم يتذكرون قاعدة قهرية المجتمع ، ولا يتذكرون إنهم يسهمون في تشكيل المجتمع بسلوكاتهم الأخلاقية ...

إن الجنوح داخلنا بعدم الإلتزام بشيء إلا إذا كان في صالحنا ومرتبط بالمنفعة المباشرة لشخصنا ، يجد له تبريرا إجتماعيا ، رغم أننا في نفس الوقت نتحدث عن التضامن الإجتماعي الأخلاقي ، وننشيء لهذا السبب جمعيات بأفكار نورانية ... هكذا نتعايش مع / ومن شخصيات أخلاقية متناقضة إلى درجة الشيزوفرينا ، والتي باتت محببة لنفاقنا الإجتماعي ، لأنها دواء لداء هدم النسق الأخلاقي للمجتمع .

ثم إن النقاش الأخلاقي ،وياله من النقاش ، يجنح إلى الآلية الساذجة ،حصوصا ،حين يتمحور في الغالب في المظهرية ، ويتمحور حول فينومينولوجية الأفراد الإجتماعية . وبكل بساطة ، ونتيجة هذا الربط الساذج ، يُلخص النسق الأخلاقي في شعار غريب ؛فساد الأخلاق أو سموها رهيبن ببعض الخرق البالية ،ورهين بألوان الأثواب التي نرتديها ، ورهين بطرقية المشي .... إننا نضع نقاشا مركبا يهم حركية المجتمع في الإشهار البراني ، ونكون على يقين تام لا يدخله الباطل من أمام أو من خلف ، حين نصرح ببطلان الصفة الأخلاقية الحميدة عمن يعتبر مظهرهم مستفز للنسق الإجتماعي .

إن أخلاقية النسق الإجتماعي، وكي أنهي هذا المقال ، وبشكل مقتضب ،تتلخص في سيرورة جد معقدة ، يتداخل فيها السلوك الذاتي مع إرغامية المجتمع ، وتدخل فيها روافد متعددة ، تبتدئ بنواة المجتمع المتمثلة في الأسرة ، وتمر عبر وسائط التنشئة الإجتماعية ....يجب علينا أن نعيد ترتيب النسق الأخلاقي للمجتمع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق