الثلاثاء، 24 يونيو 2014

انطفاء الاضواء سببه الفساد

إنطفاء الأضواء سببه الفساد 
الكاتب : سيومي خليل 
-----------------------------

الأضواء انطفأت في البيوت المغربية ،وفي الشوارع ،وفي المقاهي ،وفي أماكن العبادة ،وفي صالونات النميمة ،وفي حدائق القبل المسروقة،وفي مدارس التعليم الأعرج ،وفي مستشفيات *جيب الدوا من عندك * ... الأضواء انطفأت في البيوت المغربية ، لأن النساء المغربيات ،* العيالات ، والوليات ،والدريات* ،خرجن للعمل ،وتركن البيت من دون ربة / خادمة ترعى حطآنه ؛ هذا هو عمق تصريح السيد رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران .

عمل المرأة هو مصدر الظلام الذي جاء نتيجة انطفاء الأضواء. والأضواء ،دون أن يحدد معناها السيد الرئيس *الحلو الجميل المبمي* ، لا نعرف إن كانت أضواء رمزية أم مادية ، فالتأويل لكلام الرئيس سيجعلنا نفكر في أضواء *البالي ديال ستين وديال تسعين *،و المسؤولة عنها مؤسسات الدولة وبعض شركات التدبير المفوض،أي بمعنى آخر سي الفاسي* المبندر * المسؤول عن مكتب الكهرباء والماء والهواء والشهيق والزفير *واللي خلاه زاوي وما فيه حت ريال * ،ورغم ذلك يقيم المكتب حفلا بمئات الملايين يدردش فيه سي الفاسي مع اصدقاء *الشفرة *. هذا هو معنى إنطفاء الأضواء الأول . أما المعنى الثاني فهو المعنى الرمزي ، المعنى الذي يقول : أن الأنثى لم تبق راعية للأبناء ،ومربية على القيم والأخلاق ،،وفي الواقع هذا المعنى ليس بسبب خروج المرأة للشغل بل بسبب فساد حكومات وأنظمة ومسؤولين ... 

سي عبد الإله بنكيران *ظاهر كي وجد للإنتخابات المقبلة * ،وهو يعلم أن الكثير من الذكور يرجعون فساد المجتمع القيمي إلى ملحقات كثيرة مرتبطة بصورة المرأة ؛فالمرأة لم تعد خانعة ،والمرأة اقتحمت سوق الشغل *اللي هو في الأصل ما كينش في البلاد* ويشبه الكبريت الأحمر وبيض النعام ، والمرأة تحررت من جسدها ،وباتت ترتدي ما تمليه عليها غرائزها ورغباتها ،والمرأة أصبحت قادرة على النقاش السياسي ،وعلى الانتقاد ...*وهاد الشي كامل ما عجبش الكثير من مالين الشلاغم والومسطاجات * أو الذكوريين ، أو من يدعون الفحولة الفارغة ،ويردون فشلهم الخاص لسوء تقدير نسائي في حقهم .

الرئس الفاضل *كتبغي تكحل ليها العين كتعميها * ،كنتُ دائما مصر على أنك شخص رجعي في ثوب أنيق ، نكوصي يرتدي بذلة ويرغب في تعلم ارتداء ياقة القميص ، إقصائي ينام في حضن حداثة مزيفة .

المكشل هو في الشغل نفسه المفتقد وغير الموجود ،أما الأضواء فبحمد الله ،إن كان بريقها قد خفت قليلا ،فهذا لا يعني إنطفاءها تماما ؛ مازالت نساء قادرات على الجمع بين العمل ومساعدة الزوج والتربية ،و قادرة على الابتسام والفرح كلما عن لهن ذلك ... مازالت بيوت كثيرة بها أنوار الشموس ،وليس مجرد أضواء مبهمة كما تفهما ،رغم أن أعباء المعيش التي لم تجد لها حلول ناجعة تسقط بكلكلها على رب وربة الأسرة .

الرئيس عبد الإله بنكيران كما العادة يحتاج إلى من يوجهه ويقول ليه *راك غير كتخربق وتشر وتعطي للعين * ،بل يظهر لي أنك واجهة حزب رجعي يفكر كل صقوره وحمائمهم وفراخه وبيضه الفاسد بنفس الطريقة ،وهي طريقة الفصل الشديد بين مجموعة من المفاهيم ؛ الرجل في جهة والمرأة في جهة ، الإصلاح في جهة وعفا الله عما سلف في جهة ، الدعوة إلى تحسين اليومي في جهة و الزيادة في أسعار المواد الغذائية في جهة ، تمثيل الأغلبية وممارسة المعارضة ، وضع دفتر تحملات شديد الصرامة للقناة الثانية والسماح بمسلسات *هشك وبشك وما وجاورهما *...

هذا هو * الطنز العكري * بكل بساطة ؛ جلوس النساء في البيت ، يعني جعلهن يرتدين البرقع الأفغاني، فلا فرق بين الأمرين . جلوس النساء في البيت يعني أن الرجل عليه أن يكد ويتعب *بحال حمار الطاحونة * من أجل أن يجمع مال لإنشاء بيت ،وشراء سيارة *بون اوكازيون * . جلوس المرأة في البيت يعني تحويلها إلى* أباجورة* جميلة معلقة في أحد أركان بيت الزوجية .

ما المشكل في خروج المرأة إلى العمل ؟؟ . إن عمل المرأة يسهم في تخفيف العبء المادي على الزوج ، يجعلها تسهم في بناء بيت الزوجية وفق شروط مريحة ، أما ما يروج عن الطلاق وأزماته في هذه الحالة ، فأريد أن أصرح أن الطلاق يمارسه الجميع ،مشتغلين وغير مشتغلين ،وهو نتيجة عدم التفاهم ،وليس لأن المرأة تشتغل ... 

إذا كانت الأضواء إنطفات في البيوت فلأن المجتمع أضواؤه انطفأت بسبب الفساد 

الأحد، 22 يونيو 2014

إخوان المغرب وانتخابات 2015

الكاتب : سيومي خليل 
إخوان المغرب وإنتخابات 2015
-----------------------

يبدو أنه تم التخلي نهائيا عن كل ما يمكنه عقلنة الممارسة السياسية في البلد ، واللحظة التي كنا على يقين فيها بفعل العقلنة هذا كانت هي نفس لحظة النقاش السياسي الذي ولد عقب احتجاجات الشارع ،وحركة 20فبراير ، وكان هو لحظة نقاش الوثيقة الدستورية لسنة 2011، فالإعلام المنغلق إنفتح بشكل ملفت على الفرقاء الساسيين ، ولم تكن هناك نوايا لمنع الخطابات المعارضة للخطاب الرسمي ،والشباب كانت تبدو عليهم ملامح الفهم والوعي السياسي ... لكن الأمر كان أشبه بملاحقة زهور عباد الشمس لشمس الصباح الزاهية ،لكن حين غابت الشمس ليلا عادت الغربان للحقل والبيدر بنعيقها وضجيجها .

عاد مفهوم العطب السياسي ليحتل المشهد السياسي ، وأخذت الزوايا السياسية دور الأحزاب السياسية ،ومثلت زاوية العدالة والتنمية الشريفة رأس هذا العطب ،حيث قامت بتسويق شطحات سياسية قتلت عقلنة السياسة ، فبتنا على يقين أن الكاميرا السياسية عادت إلى ما قبل لقطة احتجاجات الشارع ،وبتنا على يقين أن الحزب الحاكم ليست له النوايا الصادقة في أخذ ما أعطي له من طرف الوثيقة الدستورية ، رغم أن عطاء الوثيقة الدستورية قليل ولم يرق إلى المأمول .

اعتبر أن نسخة الحكومة الثانية هي إعلان الرجوع إلى ما قبل احتجاجت عشرين فبراير ، فلقد أعلنت تشكيلتها تحد صارخ لآمال المغاربة ، أظهرت حزب البيجيدي بلا حول وبلا قوة ،حين قدم نفسه خادما مطيعا*مشرط لحناك* لمفهوم الحكومة ولبقائها ولو على الخرائب ، حتى وإن اضطر للتحالف مع بقايا إئتلاف وتجمع جي ثمانية الذي أقيم قبل الإنتخابات خصيصا لشيطنة حزب العدالة والتنمية ،وحتى وإن كانت محصلة وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار ووزراء التكنوقراط التي تخدم حكومة الظل أكثر من محصلة وزراء البيجدي ؛ لذا فلا معنى لمفهوم الحزب الحاكم أو الأغلبية في النسخة الثانية من الحكومة .

سؤال ماذا قدم الحزب الإسلاموي للمغرب ، يجيب عنه بنكيران دائما بنبرة الواثق ؛ لقد أخرجنا البلد من المتاهة .. لكن في نفس الوقت يضيف مهددا أنه من الممكن العودة لدهاليز المتاهة إذا ما تم مس الحزب بما لا يعجب صقوره . تظهر براغماتية الحزب دون مجهود للكشف عنها ، فمنذ توليه الحكم بدأ بدق مساميره الحادة و الخاصة في الكثير من الإدارات والقطاعات الحيوية ، وبدأ بتغيير الكثير من لقطات المشهد السياسي في البلد لصالحه ، فهو سيراهن في الإنتخابات المقبلة لسنة 2015 على هذا التغييرات التي يقوم بها على قدم وساق ،ولن يراهن بكل تأكيد على تعاطف الشعب معه ولا على نبرة المعارضة التي أجادها دائما ، فالشعب رأى سقوط أوراق التوت عن عورة الحزب،ونبرة المعارضة لن تناسب الحزب الحاكم .

سيتقلص حزب البيجيدي ،وسيعلن ولاءه في الإنتخابات المقبلة المزمع إقامتها سنة 2015 لمنطق اللعب السياسي ،وليس لمنطق العقلانية السياسية ،وسيعلن ولاءه لما قام بتغييره من قطع الشطرنج في الرقعة السياسية ،وهذا ما حذا بحزبين إثنين في المعارضة ،وهما الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية والإستقلال ،إلى التحذير من التزوير الممكن أن تشهده الإنتخابات المقبلة ، بل نبها إلى أنه من الممكن لهما الإنسحاب من الإنتخابات إذا شكا أقل شك في عدم نزاهتها .

أما التزوير فهو دائم الإقامة ، لم يغير يوما محل السكن ،كل ما قام بتغييره هو صباغة محل السكن ، وبعض أثاثه كي يظهر بشكل آخر يصعب التحقق منه ؛ أليس قبول حكومة لم يصوت عليها إلا أقل من نسبة 30في المائة هو تزوير فاضح لرغبات الفئات التي لم تشارك في المهزلة؟؟؟ .

الخطوة الأولى لرهان حزب البيجيدي على انتخابات 2015 بدأت بتجاوزه لوزارة الداخلية الوصية على الإنتخابات ،وهذا التجاوز هو حق يراد به باطل ، فدائما ما كانت هناك دعوة لتخلي وزارة الداخلية عن الإنتخابات ، لما قامت به في جل الإنتخابات من تغيير للخرائط الإنتخابية ، لكن ما قام به البيجيدي لا يهدف لإيقاف فعل اللعب بالخرائط الإنتخابية ، بل يهدف إلى تعميقها لصالحه هو ، فالحزب لا يأمن وزارة الداخلية ،والذي يؤمن إيمان شخص مريض بالبارانوايا بأن الوزارة ستحيك ضده المؤامرات الخطيرة كما في السابق ، ولولا حركة عشرين فبراير لما تنازلت الداخلية عن حصارها للحزب ؛ هكذا يعتقد الصقور داخل الحزب ...

في مقابل كل هذا ، ما سمي بالجهوية الموسعة يبقى في خبر كان ، فما دام الحديث جار عن انتخابات مقبلة دون الحديث عن مآلات الجهوية ، فهذا يعني أن الجهوية في الرف على الأقل في هذه الأثناء ؛ فما الذي فعلته حكومة الإخوان المغاربة في هذا الباب ؟؟

أتوفع أن الحكومة ستكون معطلة نسبيا كلما اقترب موعد إنتخابات 2015، والموعد بالزمن السياسي اقترب بشكل كبير ، فلقد علمنا التاريخ أن جل الحكومات كانت تفتر همتها الفاترة أصلا كلما اقتربت الإنتخابات ، لأن الأحزاب المشكلة للأغلبية تهتم باستشراف مواقعها في رقعة الغد ،وتبدأ في منح كل وقتها للتعبئة الإنتخابية ، بل تستغل مواقعها الوزارية والقطاعية لكي تخدم أجندتها الخاصة ، أما ما يمكن أن يهم معيش المغاربة ،وحرياتهم، وأوضاعهم الإجتماعية ، فلينتظر قليلا *لا زربة على صلاح *.

لا أظن أن الاحزاب الإدارية ، في حال كانت على رأس الحكومة ، كانت ستخدم الفساد مثلما خدمه حزب العدالة والتنمية الذي يدعي أنه حزب غير إداري، وأنه حزب خرج من رحم الشعب . لنتذكر في هذا الصدد عفا الله عما سلف التي قيلت من موقع ضعف ،ولم تكن من موقع قوة ،أو من موقع* اللي غلب اعف* ، فلو حقق الحزب ضربات قوية لبعض ،ولس لكل، بؤر الفساد ، لغفرنا له هذا الصفع الذي كانت ستكون له هالة العزة في هذه الحالة ، أما في الحالة التي قيل فيها فهو لس إلا خضوع لمنطق الفساد الذي انسجم معه الحزب .

النفي المنهجي

النفي المنهجي أو عدمية نيتشه 
الكاتب : سيومي خليل 
--------------------------
يتحدث الفيلسوف الوجودي والكاتب المسرحي الفرنسي-الجزائري ألبير كامو عن الفيسلوف فريدريك نيتشه بحب وعمق كبيرين .

يقول ألبير كامو :مع نيتشه تغدو العدمية نبوية،وفيه تصير لأول مرة واعية، وقد تفحصها وكأنها واقعة سريرية،وقد شخص في نفسه ولدى الآخرين عجزاً عن الاعتقاد وزوال الأساس الأول لكل إيمان، أي الاعتقاد بالحياة. وبدلاً من الشك المنهجي، مارس النفي المنهجي والتدمير النظامي لكل ما يحجب العدمية عن نفسها.(معجم الفلاسفة، جورج طرابيشي؛ مادة:نيتشه، دار الطليعة, بيروت - لبنان، الطبعة الثالثة، يوليو 2006 م. ص 680.)

ثم أضاف ألبير كامو بافتتان واضح : ومن يشاء أن يكون خالقاً، سواء أفي الخير أم في الشر، فعليه أولاً أن يكون هداماً وأن يحطم القيم.( نفس المرجع )

ارتبطت العدمية باللاأخلاقية ، في حين أنها لا تعني من أي جهة كانت الأخلاق أو اللاأخلاق . لقد كان نيتشه ،تسبقه دوما تهمة اللاأخلاقية كسنام على متن فكره ،وهو الفيلسوف الأخلاقي الملتزم ،والعدمي الفكري وليس الأخلاقي ؛ إذن كيف أُسقط العلم من رأس الجبل إلى انبطاح السهل ؟؟.

المؤلف الشيق *هكذا تحدث زرادشت* إنجيل نيتشه المقدس والخاص جدا ،وهو نقيض أي تصور عدمي للوجود ، أو لأي تصور لا أخلاقي ، إنه كتاب صوفي - إرادي - يتحدث فيه عما يجب أن يكونه الإنسان ،وعما يجب أن يتصف به كي يملك نفسه والوجود من حوله . أنه يكره أخلاق بعينها ،تلك التي تعلم المسكنة والتلاين ، أخلاق المسيح بكل تجلياته هي أخلاق كائن ضعيف ، والمسيحيون جميعا مجدوا الضعف وأخلاقهم عبيدية ؛ هكذا يعلن نيتشه ...لذا لم يكن من المفروض عليه أن يشك كما فعل الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت في شيء ، بل أن يهدم كل القيم التي بنيت على تصور استكاني للوجود والإنسان والطبيعة .

النفي المنهجي ؛ هذا ما تلقفه الفيلسوف صاحب روايتي الغريب والسقطة ألبير كامو من منهج فريدريك نيتشه، ومن قراءاته لهذا الكائن المتوحد الصارم . النفي يعني الإزالة بعد الهدم . الأساس في طريقة تفكير العبثي كما عند نيتشه ليس عدم قبوله العالم كما هو ، بل هدم منظومته الفكرية غير الصالحة للإنسان ، وإقامة على أنقاض هذا الخراب تصور يمجد الإنسان وتفوقه . بهذا المعنى يصير العبثي فرد فاعل في المجتمع ، حركي ، ينتمي إلى الناس وليس فوقهم ، لكنه يأخذ مطرقته كي يعلن بدأ هدم التصورات الفارغة التي يسقطون فيها،ويعيشون بها / وفيها / ومنها . إن العبثي لا يتحدد بسلوكاته أولا ، إنما ثانيا ، بل هو عبثي أولا لأنه ينظر إلى العلاقات القائمة بين الناس على أساس ضعف / وإستعباد أخلاقي ؛ وهذا ما رفضه نيتشه رفضا قاطعا .

لقد لخص كارل ياسبرز فلسفة نيتشه في جبة *جلباب * أُشبهها هنا بجبة الحلاج الشهيرة والتي صلب نتيجة سوء فهمها .

لقد قال الفيلسوف الاألماني- الأكاديمي والمدرسي كارل ياسبرز في حق نيتشه :من الممكن أن نجد لدى نيتشه بصدد كل حكم نقيضه، فلكأن له في الأشياء طراً رأيين،وقد أمكن لمعظم الأطراف أن تختبئ خلف سلطته: الملحدون والمؤمنون، المحافظون والثوريون، الاشتراكيون والفرديون، العلماء المنهجيون والحالمون، السياسيون واللاسياسيون، أحرار الفكر والمتعصبون.( نفس المرجع السابق )

هكذا استطاعت العبثية غير المفهومة جيدا من طرف أغلب قراء نيتشه أن تجعلهم يعتقدون أنه يتحدث عنهم بالضبط ،ويحكي بلغة شيقة أحلامهم هم لا غيرهم ،ويتحدث بلسانهم الخاص الذي عجز أن يعبر عن رغبتهم في النفي المنهجي ،كلهم كانوا يرغبون في هدم الواقع المزري الذي يعيشونه ،وكلهم رغبوا بعد الهدم في بناء منظومة فكرية مغايرة ؛ ألم يقرأ الملحد والمؤمن نفس فكر نيتشه نفسه ،الفردي والجماعي ، الماركسي والرأسمالي ...؟؟؟

ما يجذب في فكر نيتشه كالمغناطيس ليست الروعة ، فلا شيء رائع في نيتشه نفسه ،والروعة من المفاهيم غير المجدية في الفكر . يتمثل مغناطيس فكر نيتشه في الجدة والغرابة ؛طريقة تفكير تقلب الوجود رأسا على عقب ،وبدل قبوله كماهو ، يجب قبوله كما ليس هو ، أي يجب نفي كل الترهات التي تؤثث فضاءاته ، وليس رفضه ، فالعبثي هنا لا يرفض إنما ينفي ويهدم ، إنه يحتضن الوجود بذراعيه هو لا بأدرعة السلف...

ربما تعلم نيتشه النفي المنهجي من قراءته لكتب التاريخ ، فكونه فيلولوجي جعله يتعامل مع الكتب كما هي ،وبدون ترجمات ،والفيلولوجيا كما نعلم هي نوع من الدراسة التاريخية اللغوية لكتب التاريخ في سياقها التاريخي الصحيح دون ترجمة . الدقة هذا ما يفرضه الفيلولوجي على نفسه ،والتركيز المتناهي على دراسة الكتب كان بوابة للتدقيق في كل المنظومات الفكرية والفلسفية والأخلاقية السابقة على نيتشه ، هذا ما جعله ينتبه أكثر من غيره للكثير من التناقضات والأخطاء التي تحملها تلك المذاهب .

النافي المنهجي / العدمي ليس من حقه أن يؤسس مذهبا ، لكن الغريب أن نيتشه الذي مجد الفردانية حد الوله ،والذي يقول في أحد شذراته الكثيرة* أيها الإنسان في الأخير ليس لك إلا نفسك * تدخل في عباءته مذاهب كثيرة ،متناقضة ، ومتحاربة مع بعضها بعضا ،وهذا مرده عمف فلسفته ،وإلى الأفق البعيد لأفكاره المجنونة ؛ نعم إنها مجنونة بمعنى ما لأن العقل ليس هو مصدرها ، ألم يعتبر جورج لوكاش نيتشه مؤسس اللاعقلانية، حيث يقول في حقه :نيتشه مؤسس اللاعقلانية في المرحلة الإمبريالية. وربما كان، في تحليله السيكولوجي للحضارة وأفكاره الجمالية والأخلاقية، الممثل الأكثر موهبة والأغنى بالتلاوين لوعي المشكلة المركزية والظاهرة الأساسية لتاريخ بورجوازية عصره الذي وسم بالإنحطاط *. نتشه محارب الأنحطاط واخلاق العبيد .( نفس المرجع )

فرض انحطاط زمن نيتشه على نيتشه تغيير نظارتيه . نبتشه ضعيف البصر ،نظراته كانت حادة وحزينة لدرجة أن سالومي حبيبته رفضته لبشاعتهما. تغيير أفق النظر ،حول فلسفة نيتشه من مولعة بفلسفات سابقة وفلاسفة آخرين ،إلى آلة هدم ونفي ، فلا شيء يستحق التعايش معه مادامت توجد في فساد أخلاقي وفكري وجمالي كبير .

كل من يسعون إلى نفي القائم أمامهم لأنه لا يناسب تصورهم للإنسان وللدور الذي يجب أن يقوم به يكون لهم مآلات مرعبة ،مرعبة حد الخوف من تبني أفكارهم ،وحد الإبتعاد عنهم كأن بهم طاعون معدي وأكثر .هكذا يجن نيتشه ، يعزل ، يدخل مشافي المجانين ، يثور ضد حصان ،يتوحد ؛كأن الوجود الذي عراه يريد الإنتقام من عمق فكره .

الحب الذي احتفظ به التاريخ لنيتشه يقابله أيضا كره شديد من الكثيرين ،وهو كره في عمقه حسد لا غير ، فقلة قليلة كبطل كتابه زرادشت من تجرأ على تحمل سفالة الوجود و حمل هم محاولة هدم هذه السفالة واستبدالها بفكر آخر ، لقد جن العبقري لأن العباقرة هم في الأصل مجانين الوجود الذين يصلحونه ، والذين يتجرؤن على اظهار كل عيوبه دون أن يخشون اتهام أحد لهم بالمروق ؛ عن أي شيء نمرق في هذا الوجود ؟؟؟.ربما هكذا فكر نيتشه .

يخبر برتراند راسل الفيلسوف البريطاني الكثير عن نيتشه ، لكنه ركز على أنه عدو المسيحية بدرجة أولى ، فالمسيحية نفت أخلاق الأقوياء واستبدلتها بأخلاق الضعفاء ،منكرة لقيمة الكبيراء والإختلاف والمسؤولية العظمى والنزعة الحيوانية الرائعة وغرائز الحرب وتأليه العاطفة والثأر والغضب والشهوانية والمغامرة والمعرفة، وكلها عناصر خير تقول عنها المسيحية إنها شر* (نفس المرج السابق ).

ما المعمل اتجاه أخلاق مثل هذه ؟؟؟ ألا يجب اتباع النفي المنهجي ، والهدم إزاءها ، ولا بأس إن كان سيكون مصير الهادمين والنافين هو الجنون أو الإعتقال أو القتل ، فلا بد للعالم لأشخاص يصححون أخطاءه . المسيحية مظهر ديني كأديان ومعتقدات كثيرة فشلت على منح تصور صحيح للإنسان وللوجود .

الأحد، 27 أبريل 2014

الجامعة والقتل وسوء الفهم

الكاتب : سيومي خليل 
الجامعة والقتل وسوء الفهم .
-----------------------------------------------

يمكن الحكم على بلد من خلال الحكم على جامعاته، وكلياته ،ومدارسه العليا ،كأننا نحكم على توتر الخاطر من خلال إرتعاش اليد ،وجامعاتنا للأسف تعيش توترا لا ينتهي ،ولم يتوقف يوما ،وما زال كل يوم يضطرد ،ويتكاثر ،كبيض النمل الأحمر .

سنة 1975 ستعرف جامعاتنا لون الدم ،ستتسلل مدية حادة في الخفاء لحركية قلب النقابي عمر بن جلون،ولأسفل بطنه ، حينها سيختلط لون الطباشير بلون الدم ، وستعرف المقررات الجامعية عنوانا آخر بين دروسها ،عنوان يجمع بين كسل الطالب وعنفه الذي سيتزايد .

الجامعات كانت عين إدريس البصري ، وأعين أعوانه الجاحظة ؛ يعرف فيها من مع / ومن ضد ،و من يصلح ليكون كومسيرا وقائدا وضابط الغد ، ومن يصلح لكي يكون كرسيا في حزب إداري، ومن يصلح لتأكله رطوبة السجن، ومن يصلح ليكون عين آخرى للعين الجاحظة ، ومن يصلح ليكون لا شيء في المستقبل من أيامه .

الجامعات هي الحدائق الخلفية لمجموعة من الأحزاب والحركات التي يعجز خطابها على تجاوز أسوار الجامعة ، والتي تلعب على المتناقضات التي يحملها طالب جديد يحمل حلما غير تام ومعاناة وفقر كاملين ، إنها تشبه تلك المناطق الجغرافية التي كانت تتقابل فيها الجيوش لتقاتل بعضها بعضا في الحروب القديمة ّ،مع فارق أن تلك الحروب كانت تحترم شروطا كثيرة ،أما هنا فالشروط هي أول الضحايا...

ما وقع في جامعة محمد بن عبد الله بفاس ، ظهر المهراز ، للطالب عبد الرحيم الحسناوي، المنتمي لمنظمة التجديد الطلابي ، يعيد إلى الأذهان كرونولوجيا المواجهات الدموية الكثيرة بين الفصائل الإسلامية ، والفصائل القاعدية المتعددة والمختلفة ،والتي انتهت في حالات كثيرة ببتر للأعضاء ، أو تشويه للملامح ،وإلى حالات القتل الشهيرة التي إنضاف لها الحسناوي ، علينا ألا ننسى زبيدة خليفة التي اقتحمت رصاصة جمجمتها ، علينا أن لا ننسى المعطي بوملي وجثته المشوهة ، علينا ألا ننسى آيت الجيد محمد بنعيسى ... إنها صيرورة من المواجهات تدل على انعدام الجو المناسب للتحصيل العلمي وللعمل السياسي داخل الجامعات .

الجامعات تتنرح كديك هزيل مذبوح بمدية غير حادة لم تقتله ولم تترك له كامل النفس ؛ الفصائل كلها ، بتلاوينها الإيديولوجية والسياسية ، تتقمص مفهوم الميليشيات ، إنها تحمل العنف بدل حمل الأفكار والحوار والنقاش الفكري والسياسي . محاولة ربط العنف بفصيل النهج الديمقراطي القاعدي ، البرنامج المرحلي ، أو بفصائل قاعدية آخرى ، أو بفصائل إسلامية ، هو محاولة فاشلة لإخفاء عطب البلد بالكامل ، إن العنف صار منظومة مفكر فيها وواعية من السلوكات ، تظهر في الجامعة بشكل أكثر حدة ،وبشكل خاضع لإصرار غريب صادر عن الجهل بالعملية الساسية ، فالطلبة جميعهم يسقطون تحت تأثير التعبئة والحماسة ويغيب لديهم التفكير العقلاني .

من المدان في قتل كل هؤلاء ؟؟؟

لقد كانت الفصائل الإسلاموية تنهج السيف والساطور والشاقور طريقا للحوار ، لا تحاور إلا بعد أن ترى الدم ، ودخلت معها فصائل اليسار القاعدي في هذه الموجة كرد فعل أولا ، لأن دخول الفصائل الإسلامية لاتحاد الوطني لطلبة المغرب كان بإدارة مخزنية صرفة ، وكان يهدف لمحو دابر اليسار بإختلافاته جميعا ، لقد تولد العنف نتيجة عدم الرغبة في استحضار الحوار والنقاش .

المدان في العنف ،وفي القتل ،والتشويه ،هو سياسة الإقصاء التي نهجت بشكل متعمد .

المدان في العنف ،وفي القتل ،والتشويه ،هو سوء استوعاب العمل السياسي ،وسوء فهم الساحة السياسية ، وإبدال الأطراف فيها بتنانين لا يمكنها أن تتعايش مع بعض .

لقد حضر بن كيران جنازة الحسناوي ،وحضر وزيره الداودي ،وحضر آخرون ، بأي صفة حضروا لجنازة الفقيد الحسناوي ؟؟؟ إن كان حضورهم ذا طابع إنساني تضامني ، فلقد سبق موت الحسناوي موت لآخرين ؛ مات طالب قاعدي بفاس قبل موت الحسناوي ،مات محمد الفزازي ، لقد سقط طالب من أعلى بناية في مرتيل ، وجدت شابة مشنوقة في الرباط ... ألم يكن حريا برئيس الحكومة ببن كيران أن يحضر لجنازة هؤلاء الطلبة ؟؟؟ أكان لا بد أن يكونوا من منظمة التجديد الطلابي كي يحضر ؟؟؟.

إن إدانتا للعنف دائمة ،والقتل شر القبائح ، ويدل على منتهى حقارة القاتل ؛ لكن من هو القاتل تحديدا ؟؟؟ أهو من ينفذ المشهد الأخير من الفلم ،ويحمل ساطورا كي يدخله في رأس مخالف ؟؟ أم هو من يضع القاتل والمقتول في حلبة للتصارع ، ويؤثث الحلبة بكل أنواع الأسلحة ، والأفكار المريضة ؟؟؟.

لنعد الخيط إلى الخلف قليلا ،لنتتبع ما قبل موت عبد الرحيم الحسناوي المنتمي لمنظمة التجديد الطلابي ،سنجد عضو حزب العدالة والتنمية حامي الدين ،وقصة موت آيت الجيد بنعيسى ،وسنجد محاولة إستفزاز اليسار القاعدي في ظهر المهراز ،وسنجد ندوة لم يكن هناك داع للإخبار بها في جامعة كظهر المهراز ؛ هناك من إستنتج أنه نوع من الإنتقام لمقتل أيت الجيد بن عيسى ، لكن المتهم ،وللغرابة ، ليس الفصيل الذي كان ينتمي إليه الشهيد آيت الجيد ، بل هو فصيل عدو لفصيل آيت الجيد ، إنه النهج الديمقراطي القاعدي ،والذي كان دائما ما يعتبر آيت الجيد ليس شهيدا لليسار ، آيت الجيد انتمى لفصيل القاعديين التقدميين ؛ إن الإتهامات غير محبوكة جيدا، وهي ترتبطة بتحليلات غير واقعية للحدث .

لقد تم القبض على طلبة من فصيل النهج الديمقراطي القاعدي ، يجب تحري الدقة لمعرفة المسؤول، ويجب إسقاط الفكرة السابقة عن أن ما حدث هو نوع من الإنتقام ، لأن هذه الفكرة ستغطي على دقة البحث في الوقائع ، وستوجه الإتهامات للفصائل المعادية لمنظمة التجديد الطلابي ،خصوصا الفصائل القاعدية ، إننا نتجاوز الفصائل كيفما كانت من أجل البحث عن القاتل ، لكن في هذا الباب علينا أن نفكر ؛ ألا يمكن للقاتل أن يكون من منظمة التجديد نفسها ؟؟؟ ألا يمكن أن يكون منفذا لمخطط قصد محاربة اليسار في جامعة ظهر المهراز ؟؟؟ ألا يمكن أن يكون الأمر كله خاضع لنوع من الترتيب المضبط ؟؟؟

عزاؤنا لعائلة الفقيد ،عزاؤنا لكل الذين لا يحبون القتل ، عزاؤنا للذين يمارسون السياسة دون حمل مدية وسيف وحقد ، عزاؤنا لكل الذين لا يشتركون في مثل هذه المسرحيات التراجيدية المميتة ، عزاؤنا لمن يفهم السياسة على أنها حوار، عزاؤنا للذين يحملون هم التحصيل العلمي في الجامعة ، ويمارسون الفعل السياسي بعقلانية .

وليذهب كل الذين أسهموا في القتل إلى الجحيم .

لحسانة بلا ما والانتحار

الكاتب : سيومي خليل 
*الحسانة بلاما *والإنتحار 
-------------------------------------------
أقدم شاب على الإنتحار في إقليم بنسليمان،وبالضبط في مركز سيدي بطاش. سبب إنتحار الشاب هو قيام قائد المركز بحلق شعر رأسه . السؤال الذي يراودني في هذه الواقعة ،هو التالي ؛من الذي ارتكب جرما أكبر المنتحر أم القائد الذي قص شعر الشاب ؟. أو بصيغة آخرى ؛ هل الإنتحار أسوا أم قص الشعر ؟؟.

سيبدو جوابي غير متوقع عند كثيرين ، لكنه جد منطقي ،وله ما يبرره .

شعر الشاب وإن قص يمكنه أن ينمو ، وإن صفع ككلب حقير يمكنه أن ينسى ذلك ،وإن اغتصب يمكنه أن يتناسى أنه تحول لبالوعة جنسية ، وإن أهين يمكنه أن يداوي قلبه ... لكن رغم كل هذا يبقى قص الشعر هو أسوأ كثيرا من فعل الإنتحار في هذه الواقعة .

يمكن أن أقول أن قص الشعر هو فعل أكره عليه الشاب ، رأى فيه إهانة لوجوده الخاص ، رأى فيه تطاولا على صلاحياته الشخصية ، وتطاولا على تصوره لجسده ، وتطاولا على مفهومه للجمال ولتصور الآخر له .

هي إذن عودة لزمن القياد الذين تطال أعناقهم عنان السماء تكبرا ،والذين يعتقدون أنهم ظلال الله في أرضه .

هل هناك مسطرة قانونية تسمح للقضاء بالحكم بقص شعر المذنب كي تكون شماعة هؤلاء القياد وهؤلاء الماضويين في تفكيرهم ؟؟. لا أعرف إن كانت هناك مسطرة جنائية ،ولا يهمني أن أعرفها ، لأن الأمر في البدء والمنتهى إنتهاك لحق الفرد في التعامل مع جسده كما يريد .

إستدعت وزارة الداخلية هذا القائد للتحقيق معه .هل عودتنا وزارة الداخلية بتحقيقات جدية ؟ إن وزارة الداخلية دائما ما تخرج بتحقيقات مهادنة ، تدر الرماد في العيون ،وتترك الحزن في مآقي الثكالى والمتألمين .

أتوقع أن التحقيق سييكتب بهذا الشكل :

إلى الرأي العام المحلي والوطني
لقد أفجعتنا حالة إنتحار الشاب المسمى ---والذي كان يعاني من إضطرابات نفسية شديدة جعلته يعتقد أن قص شعره هو شبيه بأخذ قلبه منه ، والواقع أن قائدنا الوفي كان يرغب في تحسين جمال الشاب ...

هذا هو منتهى إنتهاك كرامة الفرد .

أن يتصرف قائد دون العودة إلى القوانين المنظمة لعمله والمجحفة أصلا ،وأن يعمل مزاجيته ،ورغباته المرضية ويسقطها على شاب ،ويبدأ بقص شعره الذي ربما يفتقده هو ،يعني أننا لم نغادر زمن خربوشة وزروالة والقايد سي عيسى والعسس المنتشر في كل مكان .

لا يمكن لأحد أن يقنعني أن عملية قص الشعر الذي بدأنا نسمع بها ،هدفها أخلاقي ؛فما علاقة الأشكال بالأخلاق ؟؟؟ سيقول القائد ،مثل آخرين غيره ،إنه محافظة على القيم والأخلاق ... يا سلام .القيم التي أردتموها أن تقف عند حدود الشكل لا غير ؛ حجاب، لحي ، مسكنة ،لبس أفغاني ...يا لغرابة هذا العالم حين تكون الأخلاق مرتبطة بخرق بالية أو بقصر الشعر وطوله .

إنتحار الشاب هو بكل بساطة بسبب إحساسه بانعدام الأمان في هذه الحياة ،وإنعدام الأمان يأتي حين تتغير وظائف الذين من الواجب عليهم حمايتنا وتوجيهنا إلى سياط على أجسادنا .

إصرار بعض المحسوبين على الداخلية على تبني *القايد سي عيسى المستبد * داخلهم ،وتقمصه كشخصيتهم الأثيرة ،هو رجوع إلى زمن الحجر والوصاية . ربما توقف الزمن عند هؤلاء القياد ، ولم يعد يمثل لهم التغيير شيئا .

صناعة المعتقد

الكاتب : سيومي خليل 
-------------------------------------------
عن صناعة المعتقد 
--------------------------------------------------
ساسَ الأَنامُ شَياطينٌ مُسَلَّطةٌ
في كُلِّ مِصْرٍ مِنَ الْوالينَ شَيْطانُ
مَتى يَقومُ إمامٌ يَسْتَقيدُ لَنا
فَتعْرِفُ الْعَدْلَ أَجْيالٌ وَغيطانُ
رُوَيْدَكَ قَدْ خُدِعْتَ وَأَنْتَ حُرٌّ
بِصاحِبِ حيلةٍ يَعِظُ النِّساءَ
يُحَرِّمُ فيكُمُ الصَّهباءَ صُبْحـاً
وَيَشْرَبُها عَلى عَمَدٍ مَسـاءَ
يَقولُ لَكُمْ غَدَوْتُ بِـلا كِساءٍ
وَفي لَذّاتِها رَهَنَ الْكِسـاءَ
إذا فَعَلَ الْفَتى مـا عَنْهُ يَنْهى
فَمِنْ جِهَتَيْنِ لا جِهةٍ أَسـاءَ.
أبو العلاء المعري .
------------------------------------------------

تؤسس شياطين الإنس لمعتقدات تنميطية دونها جز الرقاب ،والصلب من خلاف ، والتعليق على أسوار المدن القديمة ، والإذابة في حامض الإشاعة . لقد أسس الإنسان لمنظومة من المعتقدات رسمها على الأديم والروح ،وراح يشعل النيران حولها كي تنتعش ،وقدم لها قرابين لا تنتهي في فم الوحش وإنما تستقر في كل جسده .

ضلالة المعتقد الثابت والأبدي، والذي يفرضا فرضا، ضلالة عجيبة غريبة ، لا هي من العقل ولا هي من النقل ؛ كيف نجمع الناس على قناعات واحدة ؟؟ثم كيف نجمعهم على هذه القناعات بوضع مهند على أعناقهم ؟؟؟.

تواضع الكهنوت ورجالته على وضع دوائر اعتقادية ،مركزها أوامر الله ونواهيه والتي هي أوامرههم ونواهيهم ، وشعاعها الخوف الإنساني ، وقطرها أمل موهوم بوضع غير الوضع ، فكانت الدائرة شراك أسوأ من شراك صيد الذئاب ،تمتد من لحظة الولادة إلى لحظة تعطل العقل وانحصار التصور الخاص للوجود .

ومازال في عصر إكتشاف النانو، والإستنساخ ،وقياس حجم المخ الإنساني وتحديد طريقةإشتغاله ،من يقول ؛ هذا خارج عن الملة لأنه أتى بما لا يؤتى .

كيف جمع الكهنوت تعدد المعتقدات في معتقد بقياس وطول وعرض وارتفاع ؟؟؟ هذا سؤال يدعونا لنبحث في تفكير هؤلاء الناس الذين يشكلون مؤسسة الكهنوت ؛ هل يفكرون أم يمثلون أدوار رجال يفكرون ؟؟؟.

تحالف الكاهن الذي خرج من جبة ساحر بأدوات خيميائية وطلاسم وكلام مبهم ،مع عسس لا يفكرون ،بأمر من كبيرهم *مول الشكارة * وصاحب غذائهم ومائهم وأرزاقهم ،وفي ليل طويل بهيم ،حددوا ما يليق وما لا يليق من الأفكار ،ولفوا المعتقد في سلفان رقيق ،وقدموه الثابت الذي لا يتغير للناس ولأفراد الجماعة التي هم على رأسها قائمون .

فرض المعتقد بالإكراه أدى بأعقل الناس إلى التعذيب والقتل ، وإلى إرغامهم الى العودة الميمونة إلى عين الصواب وقلبه ورئتيه ومعدته وهلم صفعا ،ومن فضل فيهم الإستماع إلى صوت العقل لديه رميت جثته لجرذان الأقبية ، وكأن ببتيي أبي العلاء المعري يقيسان دنس الإنسان بقدرته على فرض اعتقاد بحد السيف :

قَدْ فاضَتِ الدُّنْيا بِأَدْناسِها
عَلى بَراياها وأَجْناسِها
وَكُلُّ حَيٍّ فَوْقَها ظالِمٌ
وَما بِها أَظْلَمُ مِنْ ناسِها.

المغرب يخطو خطوة مهمة بمصادقته على حرية المعتقد ، لكنها خطوة تكربس ، بها قيود لا تجعلها قفزة من أجل الإنسان والحرية ؛ فمادام الواقع يقول بعكس التعدد العقدي ،ويضايق على المخالفين أيا كانت توجهاتهم ، فالأمر سيبقى تزيين لواجهة داخلها مغبر .

لما حرية المعتقد عقلانية إلى أبعد الحدود ؟؟؟ ببساطة لأنها تؤكد الحرية ، والإستقلالية في تبني أفكار ومعتقدات يراها الفرد مناسبة له ، إنها ستؤدي إلى تعميق مفهوم المسؤولية ، فالإختيار قنطرة المسؤولية وجسرها الملتصق بها دائما ،والأكثر أنها تتأسس على مبادئ عقلية ، بل على بديهيات شاء لها الكهنوت أن تكون كمسألة قياس حجم الفضاء .

أولى البديهيات أن تعتقد ما تراه مناسبا لك وأن تحيط به عالمك الخاص ، وأن لا تتدخل في فرض اعتقاداك على آخر مخالف .

ثاني البديهيات أن تراعي بنيتك الاجتماعية القائم فيها وأن لا تعادي ناسها البسطاء.

ثالث البديهيات أن لا تتخلى عما أمنت به من معتقد ،وتمثل أن غيرك في زمن الجهل الشديد آمنوا بمعتقداتهم العقلية حتى وإن كانت أسياخ ملتهبة توضع على أعينهم ، فلولا صمودهم ما كانت لي الجرأة على أن اذبج مقالا حول حرية المعتقد .

إن ما يجب التأكيد عليه في الأول والأخير أن تصوراتنا ورؤانا الوجودية والغيبية لا يمكن وضعها في قالب يصنع في محلات الكهنوت .

الهندام الديني

الكاتب : سيومي خليل 
الهندام الديني 
----------------------------------------

هذا القميص بأكمامه الطويلة ، وبلونه الزاهي ،يليق بك أيها المتدين ،والجلباب ،والبرنس،والقلنسوة ،والطاقية ،وقليل من العطر ... إنها أبوابك للجنة،جسر مرورك للنعيم ، إنها الطريق لتشكل صورة الملاك الزاهي في نظر الآخرين ، ولا تنس أن تضيف مرهما باريسيا للوجه كي يبيض أكثر،ويتدور أكثر ، فبياض الوجه دليل بياض القلب ونقائه .

كيف تم ربط الدين بالهندام ؟؟؟ .إنه سؤال الإلحاح والغرابة والسذاجة .

سؤال الإلحاح فرضه التصور الديني المعطوب للهندام ، صارت قطع القماش قطع بناء منظومة الدين .

سؤال الغرابة لأن العقل الحديث يقف مندهشا أمام هذا الإنحدار في الفكر والسلوك، فأي عقل يمكنه أن يستسيغ هذه العلاقة .

سؤال السذاجة لأني أحس، وأنا أسأله أني ساذج فعلا ، فلقد فصلت دائما بين الأشكال والمعتقدات منذ زمن بعيد،وأنا الآن مضطر لنظر في هذا الربط بين متناقضين.

كل الأسئلة السابقة تقف أمام صخرة التأكيد على الهندام الديني ؛ يا لهول هذا الغباء حين يعقلن الملابس، و يؤكد دينيتها،ويربطها بالقداسة ،وبالوحي ... .

استوعب جيدا أن يكون هناك حذاء رياضي للركض ،وقميص خفيف يساعد على المشي ،وبذلة سموكنغ تفرضها حفلة متعفنة للمتضخمين،وربطة عنق قصيرة تماشي موجات الموضة المتغيرة ... افترض أشياء كثيرة لا تتتصف بالقداسة ،ولا ترتبط عنوة أو خفية بمعتقد ديني .

أيام الجامعة كانت تصيبني حالات قيء فكري لا تنتهي ، فجموع الطلبة كانت تتمايز فيما بينها بالهندام ، فهذا المتأسلم أرخى لحية طويلة ،واستعار هنداما أفغانيا ،واصطنع الجدية الشديدة،وتقمص كآبة دينية ، ونقيضه الآخر قولب نفسه في سياق مخالف له ،وبدل أن يكون حوار الأفكار صار عندنا صراع الملابس .

صراع الملابس هذا هو عنوان الإختلافات الفكرية أام الجامعة ،وللأسف ما زال هذا الصراع يجد من يمده طاقة للصمود والبقاء أكثر

لأنك بلحية ومسكنة فأنت بالضرورة متدين؛ هذه العبارة ما زالت تجد من يمنحها أذنه،وينصت لها كأن على رأسه الطير . بالمقابل الملابس الآخرى والتي لم تدمج في الدين تعطي انطباعا عنك بأنك غير متدين،وتميل إلى الفسق والفجور أكثر ؛ هكذا يحتل الشكل صدارة الحكم .

كيف يمكن أن اسمع لمفتي بدون لحية ... هذا العبارة ليست مبتكرة،ولا من وحي خيالي ،إنما قيلت في محضرنا نحن مجموعة من المثقفين ، أو الذين ندعي ذلك ، علنا نمنح أنفسنا قيمة مضافة ليست لنا ،وقائلها تضخم حتى لم تعد له ملامح ، فهو كي ينتقد وينقض الدين انتقد ونقض ليبراليته المزعومة ، فلم أعد على يقين بأني أكلم شخصا عاقلا ، إنه شيء صادفته في حياتي القصيرة لا غير .

الطقوس ،والممارسات الدينية ، وممارسات السحرة في البداية ،أخضعت ممارسيها لسطوة إتخاد هيئة وشكل مناسب ،وهذا الأمر ليس بالجديد ، فإن كانت مقابلة شخصية مهمة ،رئيس أو ملك أو نصف إلاه على الأرض، تفرض الإنسياق والدخول في هيئة معينة ، فنحن لا نرى عيبا فيما تقوم به الهيئة الدينية ، لكن الإشكال يتعاضم حين يتم التأسيس لهندام ديني ثابت يدل على الورع ؛ هنا سقط العقل في شراك الجهل .

إذا تم إعتبار الشكل والهندام الديني شبيها بهندام فريق لكرة القدم ،وتفرضه ضرورة مؤقتة مثل المباراة، فهذا يعني أنه مجرد هندام درج المتدين على إرتدائه للمارسة طقس ديني معين ، لكن الأمر ليس على هذا الشكل إطلاقا ، فلقد إنتقل الهندام من إختيار فردي إلى إكراه تمارسه المؤسسات الدينية .

أتساءل هل من الممكن أن يقدم خطيب مسجد يوم الجمعة خطبته للناس وهو يرتدي سر وال جينز ،وقميص نصف كم ؟؟؟ يبدو الجواب واضحا ؛ فهذا الخطيب الذي سيجرؤ على هذا الأمر سيجد حصارين إثنين ؛ حصار المؤسسة الدينية ،والتي تفرض على الخطباء زيا معينا كّأنهم جنود مشاة ، وحصار الناس الذين ما زالوا لم يشكلوا وعيا ناضجا حول فصل التدين عن المظهر .

نساء كثيرات لا مشكلة عندهن في إسدال شعرهن الجميل على أكتافهن في حياتهن اليومية ، لكن حين يشرعن في الصلاة ، يضعن قماش على هذا الشعر النجس ؛كيف يتحول الشعر في وضعيتين من شعر جميل إلى مدعاة للخجل ؟؟؟ هل الله يخجل من مصنوعاته،وهل سيعتبر كما اعتبر رجال الكهنوت، الشعر دعوة للفجور ؟؟؟ أكيد لا ...الهندام أقحم بالإكراه في الممارسة الدينية وهو ليس من صلبها على الإطلاق .

هذه ليست دعوة –وهذا ما سيعتقده الأغلبية –للعمل على التخلي عن الحشمة في التهجد، لكنها دعوة صريحة لإسقاط الربط اللاعقلاني بين الثوب والتدين .